"البوبراك "كتاب روائي جديد للأديبة خديجة التومي

 تونستقديم وتوقيع "البوبراك" كتاب روائي جديد للأديبة خديجة التومي .

"البوبراك "كتاب روائي جديد للأديبة خديجة التومي




بالمقهى الثقافي لنزل مرفه بنزرت عشية السبت 11 ماي 2024 التأمت أمسية أدبية على شرف الأديبة الأستاذة خديجة التومي بمناسبة مؤلفها الجديد " البوبراك " بتنظيم صالون أنير للفكر والثقافة والفنون برئاسة الأستاذة سميرة كشك .
أدارت الحوار بحرفية وحنكة الأستاذة دلال الغربي وتولى تقديم الكتاب الأديب الناقد الأستاذ محمد المي الذي جاء على تفاصيله قراءة شاملة معمقة تاريخا ونضالا الأمير عبدالقادر نموذجا و مفسرا البوبراك الجاثم على الأمة .
رواية البوبراك نشرت بدار البشير بمصر .
الكتاب صادر عن دار الثقافة للنشر والعلوم جاء في الحجم الكبير ضم بين دفتيه 272 صفحه بها 17 ملزمة فيه مزج ما بين التاريخ والخيال الأدبي وهو كما جاء على لسان مؤلفته رواية الطواعين ..فصولها ازميل الحفر في الذاكرة كي تحيا. وهي رواية فاضحة لأطماع الخارج وخيانات الداخل عرت تفاصيل الوقائع المرعبة رافقت بالسرد اساطيل الاحتلال الفرنسي للجزائر وتونس .
تخللت الفقرات مراوحات موسيقية للميسترو عازف الناي لسعد العمري بمعزوفات طربية شنفت أسماع الحاضرين وانتهت الأمسية الثقافية بتوقيع الكتاب والتكريم والتقاط الصور التذكارية .
عبد الفتاح الغربي

"بشراسة غير معهودة كان حوارهما تلك الليلة الكئيبة . لم تتوان لحظة عن السطو على الكلمات واحتكارها، علا صوتها ، صارت عيناها أشدّ اتساعا وسوادا، وكانت قبل تلك الليلة الكاشفة لطيفة هادئة فكيف تحوّلت إلى لبؤة ؟ أكان الجرح بذاك الهول ؟ وهل لامس الغدر خطّها الأحمر ؟
صاحت به : ما حكم من يبدّد حلما حفي قلبك كي يطاله؟
خفض الصوت بحثا عن مهرب ، وكوك وهو ينوي النطق فبادرته : لا أنتظر منك حججا ولا تبريرات أو دموعا فقد صار صوتك خارج التغطية وعواطفك بلا هويّة ، كلّ ما أريده أن أنفث في أدراج ذاكرتك مُسيلا أبديّا للحسرة ، يعجز زمنك الآتي على تجاوزه ولو لحظة .
قم وتدثّر في عزّ الحرّ فلن تغادر جسمك الرّجفة مادام فيك بقايا نفس ودم ، ودّع الحياة وأنت حيّ رُزق النّعيم فكفر .
لن أجلدك سوى بصمتي ."

"البوبراك "كتاب روائي جديد للاديبة خديجة التومي

"البوبراك "كتاب روائي جديد للاديبة خديجة التومي

"البوبراك "كتاب روائي جديد للاديبة خديجة التومي


"البوبراك "كتاب روائي جديد للاديبة خديجة التومي


"البوبراك "كتاب روائي جديد للاديبة خديجة التومي



فجر الوردة شعر خديجة التومي

فجر الوردة شعر خديجة التومي


 لمن تشدو البلابل إذن؟

ونجوم الياسمين تحدّق بي
في هذا المساء الغائم في الشفق
أليس الصّمت ثقيلا حتى الجنون؟
والرّكن يُباهي الرّكن جمودا
من أسدل ستائر الغياب ؟
يقتاتني الشوق
يغتالني الحنين
وهذا الكابوس بيتي
فتطير بي القدمان
وأمشي ثمّ أمشي ، أنازل الصمت
أقتله بالهروب ...
والضجيج من حولي صاخب
والذوات ناشزة ، مستنفرة ، ضاحكة لعوب.
وأنا يا أناي متى تُلقي عصاي ؟
تتلقّف رأس تمرّدي
وهذا السّائد
وهذا الواقع
أنا المجدولة على حبل من العصيان
هل أهادن ؟
كلّ البلابل غادرتني
وذاك القلب الجميل هو الباقي
والمساء الغائم في الشفق
لا يغريني
فالفجر فجري
يجيؤني باكرا
يشدّني إليه برفق
يدنيني بعذب الكلمات
ويرخي لحن الفرح ثمّ يمضي
ويظلّ زماني بلا ميقات
وتهجر لبّي الدقّات
أنتظر فجرا آخر يحييني
ينقلني إلى صهوة الشمس
ولا يؤذيني.
يزرعني أملا ، حبّا وأفقا ليس يستكين
كي تضيع من ذاكرتي السنون..
وفي الفجر أولد
نقيّة ، بهيّة ، مثل وردة ضمّخها النّدى
فتهيم الرّوح جذلى
وأردّد الفجر فجري
والأشواق أشواقي
فلا المساء الغائم في الشفق يعنيني
ولا سطور المقدّر كائنة
أنا حبيبة فجري
أريده كما أشتهيه
ويبعثني كما يراني .

-------------------------------
خديجة التومي كاتبة و شاعرة من تونس.

أيّ الفرسان تشتاقين ؟: شعر خديجة التومي

أيّ الفرسان تشتاقين ؟  
 شعر خديجة التومي


أيّ الفرسان تشتاقين ؟:  شعر خديجة التومي

كانت لهفتنا لا تَحتَمل
صوري وحكاياتك
ونبش لا ينتظر
لم تصدأ معاولنا
كان الطفل في عينيك
وكنتُ أنشودة في صور
والقدر يُطرّزنا ترنيمة فجريّة
قصيدة تُطاول الأزل
يَغفو اللّيل على الحكايا
فأكتبك سطرا ، قصّة جرح هل التأم؟
يُدنيني منك ذاك الألم
وحبر الرّوح يضمّده
يعصرني حتى التلاشي
والصور بيننا تُخاتل الزّمن
تنتظر الحكاية متى تكتمل ؟
أضحت لهفتنا لا تُحتمل
فهل من سيرة يغيب فيها البطل ؟
وكيف يجفّ عنّا القلم ؟
كتبتك نمنمة فارسيّة حين كان المطر
ورسمتني صورة من قِدم
فهل يخدع اللّهفة غدر القدر ؟
أطلق عنانك
فهذا الدفتر بيننا مثل القَسم
وهذا الخيال ممتدّ كالأفق
وهذي الكلمات دافقة تنفجر
كبركان أو كشلاّل من عِبر
وقصّتنا الطريدة تبحث عن مستقرّ
منّي الكلمات كالدّرر
ومنك الحَفْرُ
حتى الغائر يندمل
واللّهفة بيننا إكسير لا يَحتمل
وعدٌ منجز لا مفرّ
وبهجة أخرى ، هِبة لا تنتظر
ذرني ألاعب الصبا على أرجوحة العمر
في عطر السرو شددت الحبال
ومن عبق النعناع كان السؤال
أيّ الفرسان تشتاقين ؟
قلت والرّيح المجنونة ترسلني
كحلم فجريّ جميل
ليس غير فارس الكلمات
أو هو الأسطورة المنحوتة
من ألم وأنّات
والطفل في عينيه لا يبرحني
وحكيُه يهدهدني
يسابق أرجوحتي
فأنام على راحتيه
أمنية ليل بلا فجر
ففي الظلام تغتسل الكلمات .

--------------------------------------
خديجة التومي كاتبة و شاعرة من تونس.

ما عاد الحلم يغريني: شعر خديجة التومي


ما عاد الحلم يغريني: شعر خديجة التومي


هبّت النّسائم ذاوية
خجولة تعتذر
تحنو على الأغصان
والحُبَّ تلتمس
تحزن للوريقات الذابلات
والياسمين مشتعلٌ
عانقتني وشدَت
"في الغد موعدنا ..
ومطر الخصب ينتظر
فسياط الشمس تُحتضر
وإن عتت فالبقاء للمعتدل"
قلت وماذا عن عتوّ البشر
والمظالم والمحارق لا تنطفي؟
استقوت واهتزّت ترتعب
تُدافع عين الشمس
وكلّ شرّ منتهك
" إنّ المستبدّ حادث سير منعزل
ولولا اعتدال في الكون احترق
فالأرض تُحيي العروق
وإن اشتعل الورق
كذا نضرب المثل للبشر
وأنّ الظلم مركب ربّانه الغرق
وأنّ القهر قوس آن أن ينغلق
ومقابر التاريخ تبتلع
فلا بقاء لآثم ومنفلت
في درك من خزي ولعنات الأبد "
ثُبت والرّيح تهدهدني
أفتح الشبايبك والأشعة الحمراء تردُّني
صرخت أين الرّيح قد كانت لي ؟
وأين الحلم الجميل نوّمني ؟
وإذا صرير مثل السجن يُسمعني
أنّات الزنازين في وطني
وخوف المساكين في وطني
وجوع الشحاذين في وطني
وضباب المحارق في وطني
وأنّ الريح أرجوحة ملعونة ترقب البحر
وتكتفي
مومياء قّدّت على عجل
فشاه الصّانع والمصطنع
غلّقت نوافذي...
وكبّلت حروفي المتمرّدة
ناجيتك أنت البعيد
كيف أهرب منك إليك ؟
وكيف أدني حُلمين تقاطعا
فهل من قلب يحتمل ؟
نصفه النّابض بك
والنّصف التائّه لك وطني

----------------------------
خديجة التومي كاتبة و شاعرة من تونس.

هاهو الحزن : هديل الحساوي


هاهو الحزن : هديل الحساوي


هاهو الحزن قد عاد ليبلل الروح ببكائه البارد. أنت الذي تستطيع غالبا أن تسكب دموع الشجن لتغتسل روحك، لكنها تتحجر كلما كسر حزنك لجامه وصار تنينا ينفث دخانه في سمائك.
ماهو ذلك الذي يقتص روحك على ميزان ماعت، هل أصبحت أثقل من ريشة؟
ترمي ببصرك بعيدا نحو أفق بدأ يتلاشى كوهم، تركض خلفه مسرعا، حاثا خطوتك على الإكمال. ألم تبدأ هذا الطريق ويجب عليك إكماله؟
هل يكون آخره مغتسل يبرد روحك التي التهبت في الطريق.
تنقذك أحيانا مكالمة صديق يخبرك أن على الحياة أن تمضي بمسرة. تنقذك أحيانا صورة ترسمها، تخطيط تقوم به، أمل ضئيل ما زال يقدح في عمق روحك.
كل الممكنات التي كنت تراها تحولت إلى ضبابية رمادية، تحبو على ركبتيك تبحث عن الخطوط البيضاء لتدلك على الاتجاهات. أنت الذي لم تؤمن يوما بالاتجاهات وجبلت على أن تكون وجهتك حرة.
الريشة ثقيلة جدا تشدك نحو ظلمة لا تدرك كنهها وضوء يسري يشد بصرك نحو قبس نور بعيد.
في حالة كهذه، تتكوّر داخل ذاتك بإنتظار أن يتعب التنين ويعود لقيده.

هديل الحساوي كاتبة من الكويت

الأسيرة: الكاتبة منى بر كان

الأســـيرة



الأسيرة: الكاتبة منى بر كان


غارقة في أحزاني
ونافذتي زجاجها محطم
أوراق مذكرتي بالية
ضاعت أمالي والسهام تخترق كياني
العينُ غيثُها يسقي سجّاد غرفتي
سجّادٌ شاهدٌ على ألامي
أخبرتني صديقتي يوما عن قصة إينشتاين
حين سألوه عن كيف إستطعت 
أن تحقق إنجازاتك ، فردّ عليهم قائلا :
"حين يفكر الأخرون بالممكن ، أنا أفكر بالمستحيل "
مهلا ...أنا أيضا كنت أسبح في بحر الخيال
كنت أحلم أن احلق في الأعالي
كالنسر أنطلق وأطلق العنان
هههههه! إستيقضي وغادري أرض الاوهام
لا مكان لكِ داخل قصر السلطان
أين سأذهب ؟....أين سأذهب بكل هذه الأمنيات ؟!
توقفي أيتها العبٓرات.... ما خطبك أيتها الكلمات ؟!
صارت دمعتي ملاذي الوحيد
 مُذ أن رحلت من دون إياب
 تركتني وحيدة في وسط الغابْ
وحيدة ، أصارع أنياب الذئاب
سُجِنت في سجن جدرانه تحكي أهاتِ
وزواياه تحتضن معاناتي
سقفه إعتاد سماع أنينِ
أنينٌ يحكي وحدتي منذ أن رحلت أمي
أماه يا أماه .... أين أنتِ ، وكيف حالك ....
أنا لست بخير ياأمي
منذ ذهابك ضاع مرامِ
كُسِرت أجنحتي وهُزّ كياني
أعيش في رقعة الشطرنج
مقيدة ، أسيرةّ تُحركني الأيادي
الحياة بعدك ياأمي جحيمٌ
كأنني أعيش فيلم رعبٍ ، أبطاله أفراد مجتمعي
مجتمعٌ أفراده يسخرون و يحتقرون أحلامي
يدّمرون ، و يُحرقون دفتر أمنياتِ
أمنيات وأحلام بنيناها سوية ً
تلك أمنياتٌ تبخرّت بعد رحيلك ِ
لقد إتضح لي أنها لن تنسجم مع واقعي المرير
الواقع الذي أرهق قلبي وزاده أنيناً
واقعٌ جفّف مِداد قلمي
قلمي الذي توّجني كاتبة الأحزان.

-----------------
من إعداد بركان منى
ولاية سوق أهراس - الجزائر

أغنية لذاك المساء: شعر خديجة التومي

أغنية لذاك المساء: شعر خديجة التومي



تكبّرتْ وتجبّرتْ
ونارها بين الأضلع تستعرْ
يذوب لهيب الشمس في الرّيح
وزخّات المطر ..
فلا أحد، لا شيء ينازل القدر ...
سوى ذكرى الخديعة والألم
تظلّ تسري بين روح ودم
فتيّة ، ناهضة ، عصيّة الدمع
تُجاوز المدى وهذا الكلِم
تشرط فجرا جرحا آخر
والجراح مفتّحة العينين لا تندمل
نواطير ترقبني ، تغذّي جمر السّهر
وتسيح بي نحو فواصل الزّمن
تنقلني على جناحي فَراش
والحدائق تُغدق النوّار وشوك الألم
وحكايا الصّبا وأحزان القِدم
وهذا الرّوتين يقتلني ، يُحرقني
فمتى أشعله أو أشتعل ؟
وفي تلك الليلة الشتويّة
أسعفني المطر ...
ورميتك عنّي أيّها الضجر
ليل الغاب بارد بهيّ صامت بلا قمر
وشال الصّوف مدلّى يُعانقني
وكنت أهيم بك خيالا زائرا
ونفحات من شعر وأدب
وحكايا الطفولة ماثلة مثل أسطورة
أو هي أمثولة وعبر
كيف حللت بي وهذا الضباب يحيطني؟
والنّواطير مشرعة العيون
وأحكام الرّجم مدلاّة أمام ناظري ؟
قلت لي : التحفي الشال ولا تبالي
لا شيء ينازل القدر
سوى روحين تناديا من قدم
وهذا الليل لنا وإن غاب القمر
فبركة السّماء في رشقات المطر
فاطلقي العنان للأمنيات والقلم
واخترقي الجليد وحطّمي القمم
لك فرحي وعشقي
وارسمي لو شئت أحزاني
فأنا مثلك شقيّ
وبين أضلعي نار الأبد
تلهبني وألقي عليها من مائي فتنطفي
ما من سامور يظلّ أبدا يشتعل
كوني حبيبتي فاللّهيب باللّهيب ينفطر
هذه الفيزياء وقانون التنادي ليس يفنيه العدم
وليس يكذب أو يندحر
فالأحزان لو شئنا يعلوها الفرح
وكم من العمر نحيا ؟
وكم بقي حتى نشقى ؟
فهذا الليل لنا وإن غاب عنه القمر
وفجرنا سيأتي فلننتظر
وإن تأخّر عن حكايتنا السّفر .

-------------------------------
خديجة التومي كاتبة و شاعرة من تونس.

قصيدة "غــدر" منــية عمّار

قصيدة "غــدر" منــية عمّار 




جئتكم بالورد والسّحر الحلالْ
لم أكن اذ جئتكم أنوي القتالْ
جئت والحبّ معي في أضلعي
والأماني طعمها عذب زلالْ
رايتي بيضاء لم أضمر أذًى
فأنا العزلاء لا أبغي النّزال
كان ظنّي أنّني محظوظة
برفاق عن يميني والشّمال
فإذا بالحظّ ينأى في المدى
وإذا بالقبح يغتال الجمال
سقط الوردُ وأدمى مهجتي
سهمُكم حتّى فقدت الإعتدال
أنا أهوي من علوّ خلته
واقعا لكنّه محض خيال
ربّما متّ ولكنّي أرى
أنّني فارقت أشباه الرّجال
عشت أعطي من دمي قبل يدي
ووريدي كان حبلا للوصال
وفؤادي كان بستانا به
جدولٌ يجري ووردٌ وظلال
وأغان عانقت حلمي كما
عانق الطير الرّوابي والجبال
وأمان عذبة معسولة
هي زادي كلّما عزّ المنال
خبت ظنا في رفاق جئتهم
بزهوري فأتوني بالنّصال
ظلمهم نار تلظّت في الحشا
غدرهم فوق حدود الإحتمال

 منية عمار

نافذة السراب: لطيفة بهيج

نافذة السراب: لطيفة بهيج



قبالة النافذة
أتبادل النظرات مع الفراغ
ذاكرتي محض سراب
لا تلوي على شيء
مخيلتي منطلقة كمهر يسابق الريح
أتعثر بأفكار كبيرة
و لا أسقط
على الهوامش
أشجار تسابقني
لا أعدّها
أبني بها غابة
و بيتاً خشبياً
بين صفصافتين
ينهمر ماء المخيلة رقراقا
أجلب نهرا تحت النافذة
حياتي
أيتها الفكرة المعلقة بين هاويتين
لا تسقطي بهوة الجاذبية
كما يسقط الشعراء
في شرك اللغة

 لطيفة بهيج شاعرة من المغرب

الخروج من جزيرة الأسماء بقلم زهير كريم

الخروج من جزيرة الأسماء

الخروج من جزيرة الأسماء



في جملة مكثفة وعميقة، يقول (كونديرا): الاسم شكل من أشكال الاستمرارية في الماضي، والناس الذين لا ماضي لهم، هم أناس بلا اسم. وبطل هذه الحكاية لم يغادر _ على الرغم من كل التحولات في سيرته الطويلة_ ابدياته الصغيرة التي ترسخت صورها في منطقة عميقة من الذاكرة، والتي يحملها اسمه الاول النائم في خانة آمنة من وعيه. لم يغادر حنان الطفولة، لم ينس انتشاء العاشق في لحظة تواصله مع بنت الدحمان، بل كان يسمع في كل حال ايقاع للحياة القديمة، طاردا كل خشونة او هزيمة في حلبة الماضي، كل مشهد فيه اشارات تتعلق بالقسوة المفرطةا في التجربة الشخصية للبطل في الوطن الام. فكان هذا التجذر الواعي هو سبب استمراره، ووسيلته في الحفاظ على توازنه الاخلاقي، وانتصاره النهائي في حربه الشخصية مع الوقائع العجائبية، الاحداث التي انطوت على إدراك لمبدأ المقاومة، فلم يستسلم للالتباسات الاشد شذوذا في تفكيره، غير مشكك بأن رأسه آلة تصوير قديمة تحتفظ في ذاكرتها المعتمة بكنز، وان اسمه هو حرز يحرسه من ضغط المنفى، وبذاءة الشعور بالاغتراب الذي رافقه في مجمل الرحلة العجائبية، التجربة القاسية التي سرد بعض تفاصيلها بنفسه، وتعاضد في اكمالها رواة آخرون دعاهم الكاتب الى حفلة النواح في جزيرته المتخيلة منذ البداية لهذا السبب. يقول الراوي، السيد الذي اشترى مصطفى: لابد أن تغيّر اسمك، وتخفي دينك ايضا، لن يرحمك احد في هذا المكان....
والأسماء بحمولاتها الثقافية والدينية والنفسية تشغل حيزا في كامل النص الذي كتبه عبد الرحيم الخصار، إذْ رسم من خلالها خارطة التحولات التي مرت بها الشخصية الرئيسة، ورصد تقلباتها النفسية واعطابها وانكساراتها واوهامها. بالنسبة لي سوف أعيد ترتيب هذه الأسماء زمنيا كي أمسك بخيوط هذه اللعبة السردية التي تبدو في ظاهرها تفكيكا لقضية العبودية والتي تداولها الأدب كثيرا عبر نصوص لا يسعني حصرها، وفي باطنها، تجربة وجودية مضنية، بحثا عن الذات التي تغرق في عبودية الأسماء. إنها لعبة الحيرة بين الداخل والخارج، المنطقتان الصالحتان طوال السرد لإدارة النقاش عن معنى الحرية: مصطفى. العبد، استيبانيكو، استيفانيكو، استيبان، استيفان الاسود، استيفان الموري، أكا، المكسيكي الاسود، الفاتح الاسود، الزنجي. لكن اسم مصطفى يتوهج في النهاية لأنه أصل مرتبط بالوعي وليس عارض نسجته الاوهام، ولم يكن بطل جزيرة البكاء الطويل بلا اسم، لأن لا وجود لشخص او شيء بدون اسم، حتى لو كان متحققا كوجود فعلي، أما مصطفى فموجود، لكنه اسم مخفي تحت طبقات خلقتها السُلطة التي تمنح الاسماء المزيفة، ليشكل هذا الزيف ختم تحريم فوق ختم، بينما الحقيقي لايموت بل يتعرض للتغييب ربما، وعدم موته يعني أنه يحتفظ بصفة القداسة، التي تغذيها الرغبة بالانعتاق من السلطة الخارجية او الداخلية، فكل اسم ينطوي على جوهر راسخ، لن يستطيع عارض محوه، او كمايقول دورانتيس، السيد النبيل قي الصفحة92، بعد تعميد مصطفى وتغيير اسمه: اعرف أن استيبان ظل كما هو من الداخل، فالأسم بالرغم من كل شيء مثل اللباس يمكن تغييره، اما مايعتمل في القلب ومايرسخ في الروح، فهو شبيه بجبل قديم....
والحكاية التي على تطفو على السطح في هذا النص، تتحدث عن مصطفى الذي يبيعه ابوه لتجار برتغاليين وصلت سفنهم لنقل شباب( ازمور)، المدينة الصغيرة التي احتلها البرتغاليون قبل سنوات من هذا الحدث، مدينة الجوع والأوبئة والقمع التي لم يعد العيش فيها ممكنا، على النحو الذي تخلخلت فيه ثنائية الحرية والعبودية، الى ثنائية، الطرف المقابل للحرية فيها هو العيش. في اشبيلية يشتريه سيد شاب، ينقله الى مدينته، لكن هذا السيد يقرأ في عينيّ العبد الرغبة في الخروج من منطقة النسيان، حالة العبودية والرضا الى الطيران بجناحي صياد ماهر، من الزهد في الأشياء الصغيرة الى تطوير الطموح من اجل الوصول الى رتبة اصحاب الثروة. يعلم السيد عبده كل شيء، القراءة والكتابة وارتياد المسارح والمبارزة وارتداء الملابس وعادات كثيرة وافكار عميقة حتى يحين موعد الرحلة التي تشكلت من عناصر هي بمزيج من الجشع والبطولة، في النهاية هي حمى البحث عن الذهب، لكنها كذلك تعبير آخرعن الإرادة، عن الوعي بالوجود، والغموض الذي يجعل الكائن بين مرتبتين، الفهم المعتد به، والعطب الذي يراافق الجهل المفجع، حيث تسير حكاية مصطفى في طريقها الى عمق الكيان الإنساني. الى المحرضات التي تصنع القراراتُ، العطب والشك الدائم. التناقض وخيانة الذات، وصخب النفس بوصفها حلبة للقتال.
وعندما نقرأ من جهة اخرى ( جزيرة البكاء الطويل) فنحن أمام قضايا أخرى اهمها حالة الاغتراب النفسي والاخلاقي والثقافي،، الهجرة، الحنين إلى الوطن الأم، إلى الاسم الذي كانت تنادي فيه الأم، عن المجد والثروة، لكنه ايضا رحلة للبحث عن الذات، عن الحرية، عن اليد الممدودة لانتشال الآخر من هاويته، وهو المقياس الذي حدده جان جاك روسو في التفريق بين فعل الخير أو الشر. فما من ارتقاء اجتماعي او ثقافي او انساني بشكل عام لا يحمل معه السؤال عن القيمة، وبطل جزيرة البكاء لم يتنازل عن هذه الفعالية الانسانية في الحصول على نوع من الارتقاء على الرغم من قسوة التجربة، كان يحمل اسما يقاوم به الذوبان او التلاشي، ان يعود لتلك الفكرة الخالية من الغلو على النحو الذي يجعل من البشر ملاكا، وفي الوقت نفسه لا تمنحه الفرصة للفوز بخصائص الشيطان، الانسان العادي الذي يخطئ ويصيب لكنه لا يتنازل عن نشاطه العقلي في طرح الاسئلة.
ولقدغاب اسم مصطفى خلف طبقات ثقيلة من اسماء اخرى، ولم يظهر حتى الصفحات الاخيرة، كما لو أن الكاتب أراد ان يحتفظ بهذا الكنز، الورقة التي تنطوي على سر رحلته مع الكتابة، اسم لن يظهره إلا في اللحظة التي يقرر فيها انهاء الرحلة، عندما يجد فيها بطله ذاته، مصطفى الخارج من تجربة البكاء والضياع والألم والموت والعبودية. لقد حصل بطل جزيرة البكاء اخيرا على الذهب عندما تخلص من حمى البحث عن المجد والمعادن اللامعة، عندما اكتشف أن البطولة التي سكنت صورتها مخيلته، كانت مزيفة، وان الثروة التي كان يسعى اليها هي في قلبه وليس خلف المحيطات. متمسكا بنصيحة الحكيم الهندي لستيفانيكو، وهي اللحظة الفاصلة بين ذاتين وعالمين، بين جوهر الحرية وواقع العبودية: لا تبحث عن الذهب، ابحث عن نفسك، فأنت هو الذهب. اخيرا عاد البطل المزيف الى ذكرى الولي سيدي ايوب، الملاذ من الخوف والشعور بالتيه، عاد في أحلامه الى بنت الدحمان، وادعية المسجد الذي حوله البرتغاليون الى كتيسة فيما بعد. عاد الى امه، طفولته، البحر الذي تمنى في صباه ان يكون مأوى لأحلامه وميدان رزقه ووسيلة عيشه.
لقد تعددت الاسماء التي رافقتها تحولات مصطفى منذ ركوبه سفينة البرتغاليين من (ازمور) حتى عودته من الضفة الأخرى لبحر الظلمات ، ازاح الطبقات ليظهر بصورته ما قبل مغادرة وطنه، وكانت هذه الإشارة هي تعبير عن تحرره، لا يتعلق الامر باللون ولا بالوظيفة، بل بتلك النقطة التي في الداخل، الجوهرة التي توهجت، حين حصل على الوسيلة اليت مكنته من فركها، نصيحة الحكيم الهندي: انت هو الذهب!
لقد كانت بذرة الحرية نشطة في قلب مصطفى، والشعور بالعبودية خفيفا ليس مثل غيره من العبيد الذين جاءت بهم سفن البرتغاليين والاسبان، وكان من الممكن ان ينقذه اسمه قبل الدخول بتجربة الذهاب الى الضفة الاخرى، من الممكن ان يقوم الحب بهذا المهمة، في وقت ما توفرت له فيه كل الشروط الموضوعية للانعتاق، لكن تراكم الاسماء، وتجاربه الغرامية الفاشلة زادته يأسا، علاقته مثلا بالبلغارية كارا سيميرًا البيضاء التي قابلها في السوق، لم يعيقه اللون والعبودية من التواصل معها، لم تثره صديقتها او خادمتها السوداء، كما لو ان وجود هذا السواد يذكره بعبوديته، لكن الحب يحرر القلب والعقل، على النحو الذي كان يخاطب سيده باسمه بدون لقب. وهي اشارة بليغة على تحرر مصطفى او استيفانيكو من الداخل على الرغم من وظيفته وصفته باعتباره عبدا. في النهاية ذهبت ( كارا سيميرًا )، وذهبت (أماريس) ايضا
وكان فصل الرحلة، يشبه تلك الرحلات العجائبية المبثوثة في كتاب الليالي، البحر والسفن، لكن الحنين ايضا للموطن، للأهل، للجن الذي يسكن أجساد البشر، والتعاويذ والاعشاب والقراءات. لقد كانالجوع طوال السرد ثيمة أساسية، الجوع الذي يجعل البشر يأكلون بعضهم، الحضارة المتوحشة، التي ظهرت عند الاختبار زيفها ، عكس هؤلاء الذين يسمونهم متوحشين، الهنود الذين اظهروا جوهرا انسانيا متفوقا لا تطفئه التقلبات وتحفظه الاسماء الاصلية من كل زيف.

علَى رفّ مكْتبتي: شعر إيمان جمعة

علَى رفّ مكْتبتي

على رف مكتبتى


على رف مكتبتى العتيقة امسح غبارها....
انظم كتبى بكل الحنين
من بينها كتب منسية على الرف العلوى...
لم اقراها فترة من السنين
لمستها كما تلمس الام وليدها الغافى....
ومن عينى فرت الدمعتين .
تذكرت متى اشتريتها....
من رجل بشوش الوجه على الرصيف
شدنى ندرة ما يعرض....
بترتيب عاشق بجلبابه الازرق النظيف
كم مضى من الوقت حين اشتريتها.....
قصص الحب العفيف
ووقعت عينى بجوار كتبى الكثيرة......
ألبوم الصور القديم
جذبته وضممته برفق إلى صدرى...
بلهفة حبى العظيم
اقلب صفحاته اللامعة أطالع صورى ...
بقلبى المرتجف المليم
واذ ابتسامة على وجهى ثم تنهيدة ..
هذا إبى يضمنى ...
وقبلة على الجبين
وجلسة عائلية على شاطىء البحر..
وقلعة رملية بين القدمين
وهذه صورة رحلة مدرسية....
وبراءة الاطفال ضاحكة العينين
طويت الالبوم واعدته مكانه....
ونظرت إلى وجهى النحيف
واخبرتنى مرآتى لقد كان عمرك سعيدا ...
وتجاعيد على جبينى بالخط الطفيف
لقد مضى من العمر كثيرا
وذبلت زهور الربيع وحل الخريف
وانهيت ترتيب كتبى مبتسمة....
وجلست اتنسم هواء نافذتى اللطيف.

بقلم الشاعرة: إيمان جمعة

خبيئة للقلب: شعر خديجة التومي

خبيئة للقلب: شعر خديجة التومي




خبيئتي
عند البحر أُلقيها
وأسرار اللّيالي الفجريّة
يوم قلت لي لماذا تأخّر موعدنا
وهذا الكأس مترع بالحلم بيننا ؟
والحرف قيد يأسرنا
أجلس عند الموج يهدهدني
يردّ الخبيئة
مبلّلة ، بها غواية الأعماق
وسرّ الأبد
أضمّ الوعد فيها ، وسيرة عمرك
أنتظر مرارة البدايات الحزينة
وعيناك اليتيمتان جافتان
ماذا لو تبلّلتا بهذا الرذاذ من حولي ؟
ماذا لو كانتا مثل القناديل المضيئة ؟
كنت قرأتهما دون هذا العناء
وجلوت الطلاسم الساكنة فيهما
أكان ذاك العمر عمرك ؟
أرهقني السؤال
وحيّرتني التفاصيل
والمنحنيات تروم الهاوية
فترفعها يد القدر نحو الأفق
وتصير حكايتك خبيئتي
أحملها بين الشغاف والشغاف
ويصير عمرك عمري
منحوتة
معزوفة
قصيدة متمرّدة ، متفرّدة لا تكتمل
قلت لك والبحر غائم متهدّج الأمواج
: كم العمر الآن؟
وهل يُغفلنا الزمان؟
تعال نخندق بعيدا عن ممرّ الحياة
ونكسر السير والسيرورة وكلّ ما فات وآت.
ونرسم على الطرق خبيئتنا ، نذرو عطرها في الفلوات، نشيع بها الحبّ
في كلّ الردهات .
غير أنّك حدّقت بي ..
وضممت قلبي يومها خوف أحلام
لم تلدها الحياة .


خديجة التومي كاتبة و شاعرة من تونس.