القمر الليلة ليس ككلّ ليلة - شهد المهذبي

القمر الليلة ليس ككلّ ليلة

- شهد المهذبي

يطلّ بهدوء ساحر على هذا العالم المتعب يتسلل بنوره الفضيّ من بين غيوم شاردة، كأنه شاهد قديم يعرف كل شيء… لكنه يكتفي بالصمت. ينظر إلى الناس من عليائه، يرى من يبتسم رغم التعب، ومن يخفي وجعه بين طيّات الصمت، يشهد اللحظات العابرة التي لا يلتفت إليها أحد، دمعة خافتة، دعاء في عمق الليل، أمل صغير يولد في قلب منهك. يجالس الساهرين في شرفاتهم، من فقدوا النوم وراحوا يفتشون عن معنى لليلة أخرى، يواسي الحزين الذي لم يجد كتفًا يضع عليه تعبه، يمسح على قلبه بنورٍ لا يرى… ويقول له: "أنا معك." يطل على البحر فيسرد له أسرار الليل، ينصت إلى همس الموج، ويغرق في صمت الماء كما يغرق البشر في أفكارهم. يرى القرى المتناثرة كحكاياتٍ منسية، ويراقب المدن التي لا تهدأ، يُراقب من يمشي بلا وجهة، ومن يقف في الزاوية ينتظر شيئًا لا يعرفه. من بعيد… يتأمل بصمت، نظراته مزيجٌ من الفرح والألم، كأنه يحمل ذاكرة الأرواح المتعبة، يعرف من تألم، ومن قاوم، ومن لازال ينتظر ضوء الفجر. يؤنس الوحيد في وحدته، ويمنح الساكتين لغة أخرى يفهمها القلب، يُلهم المفكرين، الحالمين، الكتّاب، ويوقظ في داخلهم شيئًا ناعمًا يشبه الإلهام. ينصت لنغمة الليل، لتنهيدةٍ في العتمة، لصوت الريح على النوافذ، يحزن لأجل من فقدوا المأوى، ومن يصارعون الحياة بلا حيلةٍ ولا ضوء. القمر الليلة ليس مجرد نور ينير سواد الليل بل صديق قديم، وشاهد صامت على القلوب التي تحاول أن تظلّ نابضة رغم كل شيء.



التالي
هذه أحدث تدوينة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق