نقد أحمد يوسف لتفكيكية جاك دريدا، عودة إلى المركز أم تفكيك للتفكيك
د. بلحاج كريمة
لم يكن النقد في الجزائر بالبعيد عن تطورات النقد في العالم الغربي والعربي على حدّ سواء فبرزت ثلة مميّزة من النقاد الجزائريين، الذين تابعوا تطورات الحركة النقدية عند الغرب، وكذا في المشرق العربي رغم ما طبع الوضع الثقافي والفكري الجزائري، من خصوصية بسبب الفترة الاستعمارية الطويلة والسياسة المتبعة في تجهيل الشعب. ومع ذلك فقد استطاع المفكرون الجزائريون على قلتهم، أن يوقعوا أسماءهم بحروف من ذهب وسط هذه النهضة الفكرية، فبرزت أسماء لامعة من أمثال محـمد مصايف عبد الله ركيبي، عبد المالك مرتاض، حسين خمري...وغيرهم كثير، وأحمد يوسف من بين أهم الأقلام النقدية التي ميّزت الساحة النقدية الجزائرية والعربية، التي عملت على إثراء الساحة النقدية بمؤلفاته من بينها: القراءة النسقية ومقولاتها النقدية 2000، السلالة الشعرية علامات الخفوت وسيمياء اليتم 2004، سيميائية التواصل وفعالية الحوار المفاهيم والآليات 2004شعرية الإهداء مقاربة سيميائية للعتبات النصية، 2006، يتم النص الجينالوجيا الضائعة 2006،....وكتب أخرى ومقالات منشورة في عديد المجلات.
عُرِف أحمد يوسف من خلال كتاباته النقدية بميله للاتجاه السيميائي، وعلاقته بالتفكيك في الموضوع قيد البحث ترتبط في الأساس بالمقارنة التي وضعها بين الفكر الغربي والفكر العربي، في ظل التحولات الجديدة من الحداثة إلى ما بعدها، ومصطلح التفكيك عنده اتخذ مسميات عديدة؛ مابعد البنوية، التقويضية، البنوية الجديدة، ما يشير _ إن صح القول_ إلى اضطراب مصطلحاتي، وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على عجز واضح في بناء أو توحيد منظومة اصطلاحية.
والحديث عن التفكيكية باعتبارها فكرا حديثا ظهر مع ما يسمى الفكر المابعد حداثي، أو كما يصطلح عليه كذلك مابعد البنيوية، يحيلنا إلى البحث عن موقف أحمد يوسف من هذا المنهج، ولهذا جاء كتابه " القراءة النسقية سلطة البنية ووهم المحايثة" ليسجل موقفه من التحول السريع للنقاد العرب، من النسق البنيوي، إلى مابعد البنوية، ويؤكد على أن موقفه من التفكيكية، لا يتعدى كونه « مقارنة بين الفكر الغربي والفكر العربي في تعاملهما مع البنيوية نقدا وتجاوزا» هذه المقارنة التي لم تكن في صالح الفكر العربي، إنّما تأكيد للمركزية الغربية، وله في ذلك وجهة نظر، فالفكر العربي لا زال عاجزا _ إن استطعنا قول ذلك_ أمام تحقيق ذاته بعيدا عن صورة الآخر، فـ« لا يكاد يخرج الفكر العربي في تعامله مع نتاج الفكر الغربي عن القبول والرفض، ونادرا ما يكون هناك اختيار ثالث» لا يمكن أن ننكر الدور الجبّار الذي لعبته الحضارة العربية سابقا في صناعة العلوم والمعارف التي أضحت هي السلاح الذي يمتلكه الآخر الغربي، والذي استطاع من خلاله أن يؤسس لمركزيته ويحتل جوانب، أو لنقل حياتنا بكاملها، من خلال ما يسمى العولمة والثورة التكنولوجية، فالعرب توقفوا حينما كان يجب أن يواصلوا تقدمهم وازدهارهم، أما الغرب فقد أسس لثقافته وفرض فكره واستمر ولا يزال كذلك في غزو العقول والعالم كافة.
وبالعودة إلى الفكر الدريدي، يرى أحمد يوسف في مشروع جاك دريدا بأنّه «مشروع يتّسم بالطموح الذي لا يبلغ مقاصده، ويحقق أهدافه، ولا سيما أنّه أخذ على عاتقه تفكيك مركزية العقل الغربي، ونقد الإرث الميتافيزيقي» وهذا ما يتفق فيه مع المفكر المصري عبد الوهاب المسيري والذي يرى أن دريدا وقع في فخّ التناقض مع فكره التفكيكي « ويعود أدراجه إلى الميتافيزيقا التي ما فتئ يخلخلها ويزيحها عن مركزها» ففي إحدى المناسبات التي زار فيها جاك دريدا القاهرة وألقى محاضرة له هناك حول فكره التفكيكي، تعرّض المسيري لما جاء به دريدا حول فكرة التفكيك لديه، ووضع عنوانا لمقاله ربط فيه التفكيكية بالجنون( دريدا في القاهرة: التفكيكية والجنون) وقد أشار فيه إلى رؤية دريدا حول ضرورة تبني الجامعة للمشروع التفكيكي وممارسته، فيقول دريدا:« وبهذا يكون التفكيك- ولا أستحي أن أقول ذلك وأطالب به- موقعه المتميّز في الجامعة، وفي العلوم الشاملة كموقع للمقاومة التي تضمّ الجميع» وهذا ما جعل المسيري يؤكد على أن تفكيكة دريدا، ماهي إلّا بؤرة ثبات ميتافيزيقية، وشكل آخر من أشكال الحضور والتمركز حول اللوغوس وبرأينا أن إنكار الشيء هو إثبات له، وأنّ ما جاء به دريدا يجعله يدور في نفس الحلقة، فما كان هامشا يكون مركزا وما كان مركزا يكون هامشا وتبقى الحلقة تدور في نفس الفلك. بين الإثبات والإنكار، بين الحضور والغياب.
ورغم أنّ موقف المسيري شديد اللهجة لما جاء به دريدا، إلّا أنّنا نلمس بعضا من التحفظ في موقف أحمد يوسف، فعلى الرغم من أن التفكيكية لم تكن من مجالات اهتمام الناقد على عكس السيميائية، إلّا أنّه لم يبرز بشكل واضح ذلك الموقف الذي يراه البعض معاديا لها، وإنّما كان يستوضح فلسفة التفكيك وفق المعطيات التي تعرّض لها، فرأى أن دريدا كان متأثرا بفلسفة فيتجينشتاين L .L.Wittegenstein، التي اعتبرها معركة ضدّ افتتان عقولنا بسحر الكلمات ذلك ما جعل دريدا يخوض معركة غير مأمونة العواقب ضدّ فتنة لغة المفاهيم, وبشكل عام فالتفكيكية لم تُتَلقى بشكل واسع من طرف النقاد الجزائريين، إلا أنّنا نجد اهتماما واسعا بها من طرف الراحل بختي بن عودة الذي أحب فكر دريدا وتبناه في سعي منه لبناء مشروع تفكيكي في الجزائر، لكنّ أيدي الغدر طالته قبل تحقيق مشروعه.
--------------------------------------------
1- أحمد يوسف، القراءة النسقية سلطة البنية ووهم المحايثة، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1،2007، ص519
المرجع نفسه، 519.
2-أحمد يوسف، شعرية الغياب وجمالية الفراغ البنائي، مجلة تجليات الحداثة، يصدرها معهد اللغة العربية وآدابها/ جامعة وهران، العدد الرابع،
يونيو1996م، ص112
3- محمـد بكاي، أرخبيلات ما بعد الحداثة، رهانات الذات الإنسانية من سطوة الانغلاق إلى إقرار الانعتاق، التفكيك استنارة أم تدليس؟ قراءة
4- عبد الوهاب المسيري النقدية لتفكيكية جاك دريدا، دار الرافدين، لبنان، ط1،2017، ص 96
5- عبد الوهاب المسيري، دريدا في القاهرة: التفكيكية والجنون، ضمن كتاب أحمد عبد الحليم عطية، جاك دريدا والتفكيك، دار الفرابي ، لبنان،
ط1، 2010م، ص179.
6- ينظر، المرجع نفسه، ص179
7- ينظر، أحمد يوسف، شعرية الغياب وجمالية الفراغ البنائي، ص112.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق