الرحلة الذكية إلى إسطنبول

 

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول

الرحلة الذكية إلى إسطنبول


مِنْ خَلْفِ سُورِ اَلصَّمْتِ - مريم أحمد كاتبة من مصر

 


عَزِيزَتِي م. م

غَيْرَ مُتَاحَةٍ لِلْبَوْحِ. . . مِنْ خَلْفِ سُورِ اَلصَّمْتِ عَلَى وَقْعِ هَمْهَمَاتٍ مِنْ
اَلْمَاضِي خُيِّلَ إِلَيَّ ضَوْءٍ يَنْبَلِجُ يَنْبَثِقُ عَنْهُ حُلْمٌ قَدِيمٌ
اِفْتَرَشَتْهُ ذَات يَوْمٍ عَلَى
فِرَاشِ قَلْبِكَ تَنَاوَبَنَا اِكْتِمَالُ تَمَامُهُ
- سَوِيًّا- مُنِيَ اَلْبِدَايَةُ وَبِكَ اِكْتَمَلَ
نِصَابُ اَلْأَمَلِ لِمَاذَا غَفَوْتِ فِي
اَلْمُنْتَصَفِ وَكَيْفَ تَكُونُ صَحْوَتكَ وَكَّلَ
صَيْحَاتِيِ فِي وَخَزَاتٍ لَمْ تُحَرِّكْ
سُكُونَكَ أَيَّ غَفْوَةٍ اِخْتَرْنِي وَأَيُّ سُورٍ
بَيْنَكَ وَبَيْنَ اَلْحَيَاةِ أَقَمْتُ! ؟





مريم أحمد كاتبة من مصر

مجموعة قصصية أم غادة الجم

مجموعة قصصية  أم غادة الجم


تاج الصمت 

في زقاق ضيق من أحياء المدينة القديمة، حيث يتداخل الحاضر مع عبق الماضي، وقفت زينب أمام مرآتها الخشبية المتشققة. تأملّت انعكاسها، ثم رفعت يديها برفق وثبّتت العمامة التي ورثتها عن جدتها، تلك التي حيكت بخيوط الصبر والكرامة. 
كانت ألوانها الزاهية تحكي قصة أجيال، كل طيّة فيها تحمل سرًا من أسرار النساء اللاتي سبقنها، وكل خيط يروي فصولًا من الألم، الفخر، والنجاة. مرّرت أصابعها فوق الخيوط الفضية المتشابكة بين القماش، لامست السلسلة المعدنية التي خطّها الزمن بلون الصدأ. تذكرت حين كانت طفلة، كيف كانت جدتها تروي لها عن "تاج الصمت"، كما أسمته. كانت تقول: "إنها ليست مجرد عمامة يا صغيرتي، بل درعٌ يحفظ تاريخنا، هويتنا، وأحلامنا التي لن تسقط أبدًا." كبرت زينب، وكبرت معها الحكايات التي خُبئت في طيات هذا القماش. 
في قريتها، كان الصمت لغة النساء، لكنه لم يكن استسلامًا، بل حكمةً مختبئة خلف نظراتهن العميقة. كنّ يتحدثن دون أن ينطقن، يكفي أن تلتقي العيون لتُقال القصائد، أن تتحرك الأصابع برقةٍ على الخد لتُكتب الروايات.
 في ذلك الصباح، حين قررت زينب أن ترتدي تاجها أمام الملأ، لم تكن مجرد فتاة أخرى تسير في الشوارع، بل كانت سليلَة إرثٍ عتيق، امرأة تقف بين شظايا الأمس وبدايات الغد. أضاءت خرزة العنبر المعلقة في أذنها كما لو أنها تحمل نبوءةً غير مكتوبة، وتلألأت حبات اللؤلؤ بين أصابعها كأنها تشهد على صمت النساء اللواتي حملن أحلامًا أكبر من أن تُحكى. خرجت إلى السوق، بخطوات هادئة لكن راسخة. لم تكن بحاجة لكلمات لتخبر الجميع من تكون. كانت عمامتها تحكي، عيناها تروي، وسكونها يصرخ بأعلى صوت:
"أنا هنا... وسأُسمعكم حكاية لم تعتادوا سماعها."

القصة الثانية: نيران القدر

 كانت تُدعى "ليانا"، وكأن اسمها وُلد مع النار التي تسكن عينيها وشعرها المتوهج. وُلدت في قرية على تخوم البحر، حيث الرياح تعصف بالرمال والناس يحكون عن أساطير البحّارة والأمواج التي تبتلع السفن. لم تكن كأي فتاة في قريتها، كانت مختلفة، وكأن القدر خطّ لها طريقًا لا يشبه سواها.
 منذ صغرها، كانت تجذب الأنظار بشعرها المتماوج كألسنة اللهب، بعينيها اللتين تحويان أسرار البحر وعواصفه. لم تكن تخشى التحديق في الشمس، بل كانت تقف تحتها لساعات، كأنها تستمد قوتها من نورها، كأنها لم تُخلق إلا من ضوء ونار. لكن في أعماقها، كانت تحمل سرًا لم يجرؤ أحد على لمسه. فقد وُلدت بنبوءة غامضة، حكتها عجوز عمياء عند ولادتها، نبوءة قالت إنها ستكون "شعلة التغيير" في زمانٍ سيفقد فيه البشر نورهم. 
لطالما تجاهلتها، معتقدة أنها مجرد كلمات مجنونة من عجوز على حافة الموت. لكن الأيام أثبتت أن بعض الكلمات تحترق في القلب ولا تُمّحى. في إحدى الليالي، هاجمت القرية مجموعة من الغرباء، رجال بأقنعة سوداء، يحملون سيوفًا تلمع كأنها مسحوبة من أعماق الجحيم. لم يكن أحد مستعدًا.
 اشتعلت النيران في البيوت، وتعالى الصراخ في الأرجاء، لكنها لم تركض كما فعل الجميع، لم تهرب كما فُرض على النساء. وقفت في وسط العاصفة، شعرها يتطاير كأن الرياح تُراقصه، عيناها تومضان بتصميم لم يعرفه أحد من قبل. أمسكت بشعلة نارية من أقرب منزل مشتعل، رفعتها عاليًا كأنها تُعلن الحرب، ثم تقدمت. 
كانت وحدها في البداية، لكنها لم تبقَ كذلك. بدأ الناس يستعيدون شجاعتهم، بدأت القلوب تشتعل مثلها، وتحولت القرية بأكملها إلى عاصفة من النيران ضد أولئك الغزاة. لم يكن الانتصار سهلاً، لكنه كان محتومًا.
عندما انطفأت آخر شعلة في الأفق، نظرت إلى الأفق البعيد، إلى البحر الذي ظل يراقبها بصمت طوال حياتها. عرفت حينها أنها لم تعد مجرد فتاة منسية في قرية صغيرة، بل أصبحت قصة ستُحكى للأجيال، نارًا لا تُطفأ، واسمًا لا يُنسى. كانت ليانا، وكانت الشعلة التي غيرت كل شيء.

مجموعة قصصية  أم غادة الجم



القصة الثانية: حين تسكن الروحُ المدينة

 في مدينةٍ لا تنام، حيث الحجر يحفظ الأسرار، وتتنفس الأزقة عبق الأبدية، كانت القدس تقف شامخة، كأنها تتحدى الزمن وتُحادث الغيب. 
كانت قبة الصخرة تلمع في الليل كنبض قلب عاشق، ينبض رغم كل ما حوله من وجعٍ وصمت. لكن في تلك الليلة، لم تكن القدس وحدها... كانت هناك عيناها. ظهرت في السماء فوق القبة، كأنها طيف امرأة عاد من الذاكرة، أو ربما لم تغادر يومًا. عيناها مغمورتان بحنانٍ لا يُشبه الحنين، بل يشبه الوطن حين يحتضنك دون شرط، وشفتيها تميلان بابتسامة فيها كل أسرار العشاق والأنبياء. 
قال الناس إنها "روح المدينة"، التي هُجرت قديمًا، حين هجر الناس قلوبهم، لكن المدينة لم تنسها. كانت هي من قرأت ذات يوم في كتابها عن القدس، عن الجدار الذي بكى حين فقد ظلَّ امرأة، عن الزهرة التي سُقيت بالدمع فأنبتت وردةً حمراء فوق قلبها. كانت الروح تطوف كل ليلة، تُقبل القبة من السماء، وتُهدهد الجدران بكلمات لم يُسجلها التاريخ، لكنها محفوظة في ذاكرة المكان.
 كانت وردتها الحمراء تحملها على صدرها، لا ذابلة ولا يانعة، بل خالدة مثل القدس، مثل تلك العيون التي لا تزال تسأل: "متى نعود؟" وفي كل فجر، حين يذوب الطيف، وتُطفئ المدينة مصابيح الحنين، يبقى الأثر على القبة: ضوءٌ ليس من الشمس، ولا من المصابيح، بل من قلبٍ أحب القدس حتى صار منها.

بقلم أم غادة

الدرس الفلسفي في الجزائر - محمد شوقي الزين

الدرس لفلسفي في الجزائر - محمد شوقي الزين



بدأ الدرس الفلسفي في الجزائر يعرف انتعاشاً ونموًّا على مستوى الكتابات والملتقيات، مع الجيل الجديد الذي حوَّل الشعار السقراطي وكيَّفه مع راهنه: «أكتُبْ لأراك!». تفطَّن الجيل الجديد بأن الدرس الفلسفي ينتعش ويتنوَّع بالكتابة. لكن، لم يجد بعد التوازن الكفيل بالارتقاء إلى كتابة صارمة ودقيقة تقول فحوى ما يشتغل عليه. ليس الغرض أن نكتب في نوعٍ من الإسهال الحرفي، بأن نكتب لأجل الكتابة ولا نعرف ماذا نكتب ولماذا نكتب على وجه التحديد. لم تجد الكتابة بعد عيارها ونقطة تسديدها، لم تجد معيارها الداخلي في ضبط الموضوع وصياغة الأهداف. بعض الكتابات هي تأمُّلات أو خواطر، في الغالب ذات نبرة صحفية أو وعظية. لكن هناك كتابات جادَّة، رغم أنها قليلة، تأخذ بالموضوع من النَّاصية، تعرف كيف تسير وإلى أين تسير، تُحسن ضبط إشكاليتها وصوغ أسئلتها وتحديد أهدافها. لا ضير في ذلك، لأن الجيل الجديد هو جيل شاب يتعوَّد على الكتابة مثل الحدَّاد في صهر الحديد وقولبة الأشكال. لا نزال ربما في طور هذه القولبة التي تأتي فيها الأشكال غير منتظمة أو تفتقر إلى القوَّة والإيحاء والرونق. لكن، رويداً رويداً، يتَّجه الدرس الفلسفي في الجزائر نحو نموّه ليبتغي النضج والاكتمال.
أعتقد أن في الجيل الجديد الذي أنتمي إليه كذلك، هناك الحاجة إلى الكتابة. ربما هو إيحاء دريدي، الذي ترك فينا أثراً كبيراً بحكم المولد والنشأة بالجزائر، يقول بأن قَدَر الجزائر الفلسفية أن تكتب. وبالفعل بدأت الجزائر تكتب «فلسفياً» بالزخم المرجوّ، وإن كانت الجزائر لم تتوقَّف عن الكتابة «روائياً وشعرياً». جاءت كذلك الحاجة إلى الكتابة للتنفيس عن جرح سنوات الإرهاب، والبحث عن دليل للخروج من النفق المظلم لسنوات العنف والدم. ترعرع وعي متنامي لدى الجيل الجديد بأن التماس الحقيقة التي تُصنع في أنطولوجيا الراهن بأنثروبولوجيا ما هو كائن، يمرُّ عبر أثر ملموس وهو الكتابة. كانت الفلسفة متأخرة بالمقارنة مع الهاجس نفسه الذي تمظهر في الرواية والسوسيولوجيا. لدينا روائيين كبار وسوسيولوجيين حدسيين يعرفون كيف يثقفون اللحظة الجزائرية في فرادتها ويترجمون ذلك إلى فرضيات بحث وإلى كتابة عالمة، لكن كنا نفتقر إلى فلاسفة يؤدُّون أدواراً مماثلة. بدأوا في البروز والتقدُّم التدريجي في أرضية جديدة عليهم، بكل النقائص والثغرات التي تتميَّز بها كتاباتهم، لكن لهم الإرادة في الولوج عميقاً في الأدغال ومحاولة فهم الطابع المعقَّد والملتبس للحظة الجزائرية. صحيح أن معظم الكتابات هي حول الفلسفة الغربية، لكن هذا لا يمنع ذاك، وهناك واجب التعلُّم ممن هم أكثر منا خبرة ونباهة. لا أنخرط في النقاش العقيم والجاف حول «علوم الأنا» و«علوم الآخر».
ليس للفكر عرق أو جنسية تستأثر به أمَّة أو هوية. يمكن أن نتعلَّم من جميع الفلسفات ونترجمها إلى لغتنا الخاصة لتتأقلم مع سياق أنطولوجيا الحاضر التي نعمل على بلورتها. يقول البعض: لكن لماذا ترجمة الآخر وتكييفه مع الأنا؟ لماذا لا نستخلص قوانيننا الثقافية من خصوصية تواجدنا في العالم؟ أقول لهؤلاء: بادروا بذلك! منذ أكثر من مئة سنة، كان هاجس الإصلاح على لسان شكيب أرسلان: «لماذا تأخَّر المسلمون ولماذا تقدَّم غيرهم؟». إذا لم يستطع أهل الإصلاح الإجابة عن هذا السؤال خلال مئة سنة، فلا أعتقد أن رواد ديارنا يمكنهم الإجابة عنه. ثم بماذا؟ يفتقرون إلى الأدوات وإلى الإطار النظري. من أين يجلبون الإطار النظري؟ كيف يستخلصونه؟ أعتقد أنه ينبغي تغيير زاوية الرؤية تماماً لنقول بأن العجز عن تشكيل نظرية حول خصوصية الأنا الثقافية مردُّه مشكلة هذا الأنا ذاته الذي قيَّد نفسه بتسويغية (casuistique) الممنوعات والمحظورات والعقل الفقهي الضيّق بإفقار الخيال الخلاَّق واسترسال المخيال بالولوج في الدقائق المملَّة والتفاصيل اللانهائية. لم يعُد خيالاً مركَّبًا وقابلاً للخلق والتوليد، وإنما أضحى نوعاً من المخيال الذي يتوهَّم (نظرية المؤامرة) والذي يغوص في التحليلات المبعثرة واللانهائية، هي «رد فعل» (réaction) و«بلبلة» (agitation) أكثر منها «فعلاً» (action) فاتحاً، سائلاً، سؤولاً ومسؤولاً. عندما نكون في أفق الوعظ والدعوة وهاجس الهوية والخصوصية، لا يمكننا التنظير، لأننا نفتقر إلى الخيال الخلاَّق، إلى المفهوم المركَّب، إلى الهدوء والانتباه. فنحن في حميَّة الانتماء وهاجس التمركز حول الخصوصية.
منذ تأسيسها سنة 2012، ساهمت «الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية» بوسائل مادية وتربوية وفكرية في تنشيط وتفعيل الدرس الفلسفي، بفروعها الولائية أولاً، بالمجتمع المدني ثانياً، وبمراكز البحث ودور الثقافة والجامعة أخيراً. في بضع سنين، صنعت الجمعية لنفسها مقاماً معلوماً يدفع بالفلسفة في الجزائر نحو الوجهة المرجوَّة وهي تنمية الحسّ النقدي والاعتباري، وتثمين الكتابة العالمة، وتخصيص منصَّات للكلام الحيّ والتبادل الفكري في شكل ملتقيات ومؤتمرات. لم تبقَ الجمعية على صعيد الأستاذية والأكاديمية، وإنما انفتحت أيضاً على البيداغوجيا بتخصيص دورات تعليمية لطلبة الباكالوريا، بتهيئتهم عملياً ونفسياً على مواجهة الامتحان وتقديم دروس نظرية وتطبيقية في كيفية تحليل النص الفلسفي ومعالجة المقالة الفلسفية وتدريب التلاميذ على الأدوات المنهجية والمشاركة في الفضاء العمومي بالرأي والرأي المختلف؛ فهي تعلّمهم كيف يفكّرون بذواتهم، لحظة سقراطية يُعاد من خلالها إنجاب الأفكار من بواطنهم. لم يتوقَّف الأمر عند التلاميذ، بل راهنت الجمعية كذلك على تدريب الناشئة من الأطفال على التفلسف، بتنظيم أيام تربوية يُحسن فيها الطفل الإصغاء إلى السؤال الذي يطلقه بعفوية، بأن يجد له الركيزة والدعامة ويعي هذا السؤال. لا يراه يُحلّق في السماء كالفراش، بل يصطاده ويعيد بلورته ليرى بأن سؤاله هو كينونته بالذات يريد امتحانها على محك الواقع وما هو مشهود أمامه. ساهمت «الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية»، ولا تزال تساهم برئيسها الدكتور عمر بوساحة وبكل أعضائها وفريقها الجاد والمجتهد، في تفعيل المشهد الثقافي ومصاحبة العمل الفكري نحو نضجه ومَدَدِه بمِدَاد كُتَّابها وامتدادات هياكلها ونشاطاتها.

- الأستاذ محمد شوقي الزين

ميعاد .. قصة قصيرة - ختام زاوي

 

ميعاد قصة قصيرة ختام زاوي

"اختار سلك الإيثرنت وحط ..مكانه  بين عمودين، مخالبه تتشبث برفق، هبت ريحٌ وتمايل، ثم تشبث أكثر. فجأة، شقشق ورفرف، وصوصوا، طار، حام، حوم، رفرف واقترب مني. حك منقاره على شاشة الكمبيوتر، ثم أرقد رأسه على رأسي. ثم نط مرة ثانية على السلك في نشوة.

السلك غير سميك، مثبت، متصل بالشبكة المحلية للمخبر. سلك صامت، لا يدل مظهره على شيء، لكنه في هذه اللحظة تتداول فيه عوالم وأكواد وإلكترونات وشحنات، فيه صفقات وعمليات تصفية ومؤامرات، وأراضٍ تُباع وأُخرى تُباد.

لم أقرأ فيه، طبعاً، هذا الجنون، فقد كان يملأ أسماع الدنيا دون محاكاة. اكتفيتُ بكتابة الكود في صفحة الويب، ولستُ أدري ما الذي كان يعجبني في هذا الطائر الفيلسوف.

أسميته 'صوصو'. صوته ينخر ذاكرتي، وعقلي لا يتحمل. كأن برمجة 'لوليتا' التي تسيطر على رأسي بدأت تتلاشى تدريجيا. 

سمعتُ أذانًا من مسجد مصحوبًا بتمتمات شخص يقود صلاة في الكنيسة، وعمت  الفوضى؛ فالمصابيح تهتز والأعلام تتطاير والمنارات مبعثرة، تحتها أجسام مرصوصة بألغام. شبكة من الشحنات السالبة تدخل المخبر، مما يُسبب اختلالًا في تقنية العنكبوت ويتسبب في انقطاع الكهرباء..

ظهرت كائنات رفيعة، طويلة، بغاية الحذق والنشاط، تلتف حول بعضها وتستدير وتتجمع. الآلات تتحول فجأة إلى كائنات حية، حيث يُداس أحدهم على قدم الآخر وتتزايد الهرولة، والعملية مهددة بالاختفاء من عالم الإنترنت. عشرات الأيادي تمتد لإصلاح العطب والأضواء القوية مسلطة تتيح للأعمى أن يرى ما شاء في أي وقت يشاء.

جزع كاد يذهب بعقول المبرمجين ..جزع كان يدفعهم لأن يصرخوا بأعلى صوت:

«مبارك أنت، يا الله إلهنا، ملك الكون، القاضي الحق»

"ברוך אתה ה' אלוהינו מלך העולם, דיין האמת."

 نور أحمر يتجه نحوي، والحمرة تطال المخبر وتمتد، حيث يصبح الزمن أحمر . الزمن يحترق، أشم رائحته ..رائحة جلد يحترق،

 جلد صوصو.

  إني  أرى تطاير الطلقات، برقًا وسحلا أثرها العميق والسريع.. صوصو يموت، قتلته الآلة الحارسة بكل حنق. 

 ما هذا المصير؟ 

و قفتُ في صفٍ طويلٍ أمام شباك الأمن الداخلي لشركة "ماتام" لتغيير درع الحماية الفوري. بسبب الثغرات ونقاط الضعف في التصميم، تسببت حادثة الأمس في شقّ الدرع وتعطيل أزرار التحكم في هيكلنا، مما أدى إلى توقف نظام المراقبة عن العمل. أصبح من الضروري حينها الوصول إلى "صيفر شاي" בית ספר ש"י "قاعة غسيل الدماغ"، وهو مكان فعلي تُستخدم فيه التكنولوجيا أو التقنيات العصبية لمحو الذكريات غير المرغوب فيها.

تمددتُ على مقعدٍ ملفوفٍ من كل حد ..عقاقير كيميائية ممزوجة في قوارير شفافة تخرج منها خيوط يُثبتها الكيميائي في كل نبضة من جسدي..

لكن في العادة، دائمًا ما يحدث شيء على الرغم من إرادتنا، حيث نخرج من ذواتنا ونصير مجرد أجسام تتحرك في المحيط المادي. تصعقني قوة عارمة من الماكينات الكهربائية، وتليها اندفاعات وصرخات واستغاثات، مثل صوت الهنود الحمر. يمضي الناس الروبوتات، غير مبالين بما يحدث من تصفية عرقية.

وأنا لا أفعلُ سوى شيء واحد، أسألُ نفسي دائمًا: لماذا أنا حية؟"

لم يمضِ الكثير من الوقت حتى انتهيت من عملية التفريغ.. كنت كالحشرة تحت المجهر، أو كقطعة نقدية، حقاً غريبة هذه الآلات، معقدة وغير مجدية أحيانًا. بسبب الخلل في شبكة الويب وانقطاعها المسبق، نخرت في أعماق الذاكرة وأعادتني بشرية لي أذنين وأنف وفم وأسنان، وقلب ينبض بالحياه

يا للعجب! مضى أسبوعٌ كاملٌ وأنا أتخبط في عالم المحسوسات، كأن إلهاماً قد برق في نفسي، بل كأن الطبيعة تطالبني بحق العصفور الشهيد. استيقظتُ، وترامت على كاهلي أخيلة الموت. الموت قريب على الدوام، وشعرتُ أنني بشر أتعرض للفناء كأوراق الشجر في مهب الريح."

"أجري في كل مكان، ناضرةً إلى كل شيء، باحثةً غير مستقرة، أتحسس المكان. اختفتْ عوالم الأكواد من هامشي، فتبدو كأنها غفوة حالمة في عالم موازٍ. وعلى هذا النحو، لقيتُ مصرعاً جديدًا لهذا الجسد الآلي، وارتقيتُ بالروح مثقلةً بالذكريات، ثم لطمتُ الأرض وأغمضتُ عيني وأنا في ترحالي إلى الماضي."

صادفتُ اليد الفاسقة التي اختطفتني من حضن أمي، زمجرت الأحناف وتلاقت الخصوم في نهاية المطاف، القنابل تغزو بيتنا البسيط، وعساكر مأجوجة تخوض عراكًا مع جنس آخر من البشر. خيّروني بين المشنقة والانضمام إليهم، ولا بد أن يهرب المرء ليس من أهوال ومعاناة الآخرين بل من الموت تجمداً.

 يمكن للمرء أن يشعر ويتوقع أن انقضاء الأعوام في الإبداع واختراع أساليب للتمرد على أرض ليست أرضهم ليس انتصاراً حقيقيًا كما يُظهرون، بل إيهامًا يعايش إيهامًا تمامًا، كما العمل الكوميدي الذي يفتقر إلى القدرة على التسلية، أو اللوحة التي يثير جانبها الأمامي الذهول والخلفي الذي يسعى لقتل الحق.


يبدو أن "صوصو" قد أخذ بثأره، فألهمني الحقيقة ودفعني للتنصل من قيود المبرمج المحتل، لأول مرة أستشعر الرحمة والتعاطف والشفقة، وأتذكر من أكون: أنا ابنة فلسطين، "ميعاد". تلك الفتاة التي كانت تبكي عشرين سنة في دهاليز الذاكرة، كانت تنفي سيفها في دموعها، وكما أطاعت اليهود وباعت روحها حتى يخيل لها أن العالم أجمع يقتتل في جسمها الثقيل. إنه الإحساس الأول الذي لا يشترى بروح الله في أعاليها.

 بدأ الدوام هذه الليلة مبكرًا، حيث يخططون لعملية سرية للتوسع نحو فلسطين أكثر، وقد بدؤوا باختراع ألوان جديدة من الصواريخ والمفرقعات. إنهم يستكشفون كل ضروب الرعب الكامنة في الحرب من أجل احتلال الأرض. كنتُ المبرمج العبقري رقم واحد في المختبر، حيث تدور كل حلقات الويب على شاشتي. يثنون على عبقريتي ولكن لا يملكون سوى هز الأكتاف، فأنا تجربة متطورة وخارقة للغاية. لم أدرك ذلك إلا بعد هذه المصادفة، وأصبحت الوحيدة القادرة على إحداث ضجة.

غيرت الحلقة الأخيرة من الكود ..اخترقت "قبة الحديد"

وقمت بتدميرها بشكل كامل..

أثار الموقف حنق رئيس الفريق وبلغني صوته ثائرا:

" لوليتا أيتها البقرة الفلسطينية"

 شعرت بالغيظ والخوف معا فقلت له وانا أرتجف : أنا مي..ميعاد..ميعاد!


رأيتُ المستقبل. لم يكن في أمريكا" توماس ل. فريدمان

 في مقاله المنشور في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 2 أبريل 2025، بعنوان "رأيتُ المستقبل. لم يكن في أمريكا"، يتأمل توماس ل. فريدمان زيارته لمجمع هواوي البحثي والتطويري الواسع في شنغهاي، مسلطًا الضوء على التقدم التكنولوجي السريع في الصين وتداعياته على الولايات المتحدة.




مجمع هواوي للبحث والتطوير: لمحة عن المستقبل

يصف فريدمان مجمع هواوي للبحث والتطوير في بحيرة ليانكيو بأنه دليل على التزام الصين بالابتكار. شُيّد المجمع في ما يزيد قليلًا عن ثلاث سنوات، ويتألف من 104 مبانٍ بتصميم فريد، متصلة ببعضها البعض بواسطة خط سكة حديد أحادي، ويستوعب ما يصل إلى 35,000 عالم ومهندس. كما صُممت مرافق مثل 100 مقهى ومركز لياقة بدنية لجذب أفضل المواهب. يُبرز هذا التطور التركيز الاستراتيجي للصين على الاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا، لا سيما في مواجهة العقوبات الأمريكية.

المرونة التكنولوجية للصين

على الرغم من مواجهتها للقيود الأمريكية منذ عام 2019، أظهرت هواوي مرونةً من خلال طرح منتجات متطورة مثل سلسلة هواتف "Mate 60" الذكية، المجهزة بأشباه موصلات محلية الصنع. كما اتجهت الشركة نحو تقنيات الذكاء الاصطناعي للسيارات الكهربائية ومعدات التعدين ذاتية التشغيل. في عام 2024 وحده، قامت هواوي بتركيب 100,000 شاحن سريع للسيارات الكهربائية في جميع أنحاء الصين، على عكس تباطؤ تقدم الولايات المتحدة في هذا المجال.

الأولويات المتباينة: الولايات المتحدة مقابل الصين

يُقارن فريدمان بين تركيز سياسات الولايات المتحدة والصين. وينتقد تركيز الإدارة الأمريكية على القضايا الثقافية، بينما تُركز الصين على دمج الذكاء الاصطناعي في قطاع التصنيع والبنية التحتية. هذا التركيز الاستراتيجي يُمكّن الصين من التفوق على الولايات المتحدة في مختلف القطاعات التكنولوجية.

"نادي اللياقة البدنية الصيني" والتركيز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات


يُقدّم المقال مفهوم "نادي اللياقة البدنية الصيني"، مُسلّطًا الضوء على تركيز الصين على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. مع ما يقارب 3.5 مليون خريج من هذه التخصصات سنويًا، تمتلك الصين رصيدًا هائلًا من المواهب لدفع عجلة الابتكار. كما يُسهّل التطور السريع للبنية التحتية في البلاد، بما في ذلك شبكات السكك الحديدية عالية السرعة الواسعة، التنفيذ السريع للتطورات التكنولوجية.

رأيتُ المستقبل. لم يكن في أمريكا"  توماس ل. فريدمان


دعوة للتعاون الاستراتيجي

يدعو فريدمان إلى نهج استراتيجي يتعاون فيه العمال الأمريكيون مع التكنولوجيا ورأس المال الصيني. ويرى أن تعزيز الشراكات قد يكون أكثر فائدة من الانخراط في حروب تجارية أو فرض رسوم جمركية. ويُؤكّد هذا المنظور على المزايا المحتملة للتعاون المتبادل مقارنةً بالسياسات الانعزالية.

 يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الديمقراطيات بسبب التغيرات السريعة في التكنولوجيا وانتشار المعلومات المضللة. كما يشير إلى كيفية تأثير العولمة والتقدم التكنولوجي على سوق العمل والاقتصاد العالمي.

يؤكد فريدمان على الحاجة إلى تبني سياسات جديدة تستجيب لهذه التغيرات، مشيرًا إلى أن الحكومات يجب أن تعمل على تحقيق التوازن بين الابتكار وحماية حقوق المواطنين. كما يناقش أهمية التعليم والتأهيل المستمر للعمال من أجل التكيف مع متطلبات السوق المتغيرة.

من ناحية أخرى، يشدد الكاتب على ضرورة التعاون الدولي لمعالجة التحديات العالمية، مثل تغير المناخ والأمن السيبراني. ويؤكد أن الدول بحاجة إلى نهج مشترك لمواجهة هذه المشكلات بدلاً من العمل بشكل منفصل.

  يدعو فريدمان إلى تبني سياسات مرنة يمكنها التكيف مع المستقبل غير المتوقع، مع التركيز على الابتكار والاستثمار في التعليم، وضمان أن تكون التكنولوجيا في خدمة المجتمعات وليس العكس.

تُشكّل ملاحظات فريدمان دعوةً للولايات المتحدة لإعادة تقييم أولوياتها الاستراتيجية والنظر في مناهج تعاونية للحفاظ على قدرتها التنافسية في المشهد التكنولوجي العالمي المتطور.