عندما تزهر الفتاة و تدخل عتبة العشرينات , تبدأ مرحلة التوافد: الخطاب التساؤلات و الاختيارات، فتسأل عن الدين و الخلق و الحالة الاجتماعية و عن مقومات كثيرة تختلف حسب أولويات الفتاة بحد ذاتها، لكنها غالبا تبحث عن الأمان، عن رجل تشارك معه عمرها.
لكن أحيانا يقع الخطأ في الاختيار، بحسن نية أو ضغط مجتمعي أو قلة خبرة لكنها تنزلق في رحلة جديدة كليا، متى و كيف تجد نفسها قد بصمت عقد زواج لا مع الخاطب فقط بل مع منظومة كاملة من الجهل ؟
هذا المقال يعتبر شهادة شخصية
- الحديث عن الجهل لا يخص المستوى الدراسي فقط، فالزوجة هنا ستواجه أنواعا كثيرة من الجهل نذكر منها:
الجهل العاطفي: أغلب العائلات العربية تقمع المشاعر و تربي أبنائها على ذلك ذكراناً كانوا أم إناثاً، لا نلومهم على ذلك فهاذا الأصل الذي تم توارثه كمُسلّمات للتربية , حيث أن آبائنا تربوا على يد أجدادنا ذوي الطباع الجَلِفة لأنهم بنسبة كبيرة قد خاضوا ويلات حربٍ ما , وجداتنا القساة اللائي يعتبرن الوسيلة الأولى و الفعالة لقمع مشاعر بناتهن و تحويلهن لأدوات للعمالة الغير منتهية، و تربية الذكور على الدلال والعربدة و ‘‘ الرجل لا يعيبه شيء’’ مما جعلنا الآن نتربى على يد آباء مهملة و أمهات مقموعة.
الجهل الديني: أغلب المجتمعات العربية خاصة الصغيرة تعتبر جاهلة من الناحية الدينية الا من رحم ربك , فلا نجد من ضمنهم من يفهم الفقه او علوم الحديث و القرآن أو حتى فهم التعاليم الإسلامية التي سطرها الله لنا للتعايش وحل الخلافات وسط العائلات و بين الأزواج، فنجد الجدات المستنجدات بالأولياء الصالحين، الطيرة، التشاؤم من لون أو يوم ما، اعتبار الطلاق جريمة وليس تشريعا الهيا و اجبار الفتاة على تحمل الظلم و المعاناة بدل احتوائها باستعمال شرع الله، الذي نصه لنا عند استحالة المعيشة، ‘‘البنت تخرج من بيت أبيها الى بيت زوجها ومن بيت زوجها الى القبر‘‘ جدة طليقي .
الجهل الاجتماعي: ينقسم المجتمع الجزائري الي عرب و أمازيغ، و ينقسم العرب الى قبائل صغيرة تعود أصولها الى الفتوحات الاسلامية، اختلطت هذه الشعوب في المدن الكبيرة فلا يمكن تمايزها، لكن العصبية القبلية بقيت حاضرة القرى و المدن الصغيرة، مما يجعل بعض القبائل ترفض الزواج من أخرى، و البعض ينسب نفسه لنسل الرسول عليه الصلاة والسلام و يعتبر الآخرين خدما له، مما يوقع الأسر في فخ التمييز العنصري بل حتى التنمر و الاحتقار للزوجة أو للزوج ان كان ينتمي الى قبيلة متدنية النسب حسب اعتقادهم .
الجهل القِيَمي: تتبنى الأسر الجاهلة قيما مبنية على العيب و العار و نظرة المجتمع , فتعتبر الفتاة عورة و عاراً عليها حتى تتزوج فيتم سترها على يد الزوج، و تتساهل في تربية الرجل فيكبر على أيدٍ لامبالية , فيكبر على أنه المعيل و الآمر الناهي متناسين دور الرجل الكبير و الفعال في المجتمع و الأسرة كانسان يوفر الدعم، الرعاية و الحماية فيتم تضييع رجل آخر مسؤوول و قادر على إحداث تغيير في المجتمع و قيادة أسرة و أبناء حسب قيم عالية و نبيلة .
والآن بعد الخوض في انواع الجهل المتفشية في أسر كثيرة , ما هي التحديات و المشاكل الواقعية التي ستواجهها الزوجة بعد الدخول في هذا النوع من الزواج ؟ ما شكل التحديات؟ و كيف تتحول الحياة اليومية الى معركة بقاء لا علاقة لها بالحب ؟
هذا المقال ليس إعلانا للحرب على الرجال ، لن أتطرق لقصة الزوج الشرير الكلاسيكية لا تخافوا، لقد تزوجت الجهل بالفعل و تتلمذت على يديه فتعلمت دروسي عن ظهر قلب، لذا كإمرأة شرقية و شمال إفريقية شطورة سأتستر على عيوب الرجال حتى لا نستفز السلام العام، هذا ليس كلامي الشخصي بل هو مأخوذ من فقرة مصدرها دستور مجتمعي معلوم بالوراثة و غير مكتوب اسمه:
"قوانين المجتمع الجاهل: الباب الأول -أدوات التجهيل لجعل المرأة كالعجين- الدرس الأول “
الشرير في مقالتي اليوم ليس “ الزواج “ أو “الرجل” بل هو "الجهل" الذي لا يؤذي المرأة وحدها لكنه مرض اجتماعي ينخر البنية المستقرة للأُسر .
عقد زواج مع الجهل
.لكننا اليوم سنرى ماذا سيحدث بعد الزفة، آآآآآآخ الزفة، أو العُرس ذلك اليوم الموعود الذي يدق نواقيس الفرحة فتجري النساء و الرجال على حد سواء من أجل إتمام طقوس السعادة فكما يقول المثل “ زواج ليلة تدبيرو سنة “ تجري الخلائق على رؤوس الأصابع من اجل اختيار الاكسسوارات، الماكياج، الملابس، الحلاقة المناسبة، القاعة المناسبة, كتابة لوائح المدعويين , و عن كيف تغيض أم الزوج سلفاتها بزواج ابنها الاسطوري، تعليق التمائم و العيون الزرقاء لإبعاد العين الشريرة، غير آبهين تماما لمدى توافق الزوجين أو نسبة سعادتهما كلاهما على حد سواء.
اذن برأيك عزيزي القارئ هل جودة الحلويات أم كبر قاعة الافراح هي ما تحدد مصير سعادة الزوجين ؟
هل اسئجار الخيالة و اطلاق البارود في الزفة هو أساس بناء الأسرة ؟
هل سيعيش الزوجين بهناء لأن أم العريس نجحت بإغاضة سلفاتها ؟
أم للواقع رأي آخر ؟
إذا كنت تعيش في مجتمع متفتح , حياتك الزوجية سعيدة , زوجتك سعيدة في بيت احماها إذن هذا المقال قد لا يناسبك , إذا أكملت القراءة أنظر لحالنا كضحايا لهذا الزواج , و اقرأ من باب الفضول لا المقارنة , استمتع برؤية هذا الجانب من المجتمع القذر , أما إذا كنت متضررا مثلي أتمنى أن تعبر كلماتي عنك و تحكي ما بصدرك من غضب و ألم , هذا المقال مثقل بالخيبة , قراءة ممتعة .
1-أدخلي برجلك اليمين يا عروس: تخرج الفتاة من البيت تحت جناح والدها لتركب السيارة المخصصة لها، لأخذها الى قاعة العرس التي تتباها بها حماتها لأنها أكبر من قاعة عرس إبن أختها، يتم استقبالها على أنغام أغنية “بالسلامة جيتي لالة لعروسة، يا عْمَارة بيتي لالّة لعروسة “
ثم تتقدم لك أكبر عجوز من عجائز العائلة لتسقيك حليبا و تمرا عند الباب , فتتدافع الفتياة العازبات من أجل الأكل من بعدك “ههه، أشفق على المسكينة التي أكلت بعدي من صحني سيكون حظك طينا عزيزتي “ يرقص الجميع على أنغام دقات قلبك المتوتر و الخائف من المجهول، ثم تدخلين و تخرجين من قاعتك المخصصة لأن عليك أن تقومي بعرض “رانواي” مصغر حتى ترضى عليك العجائزو التقاليد، و تتذمر النساء من إطالتك في التغيير بين الفساتين التي يجب أن تغطي جميع تقاليد ربوع الوطن بل و تتعدى الى الساري الهندي و السواري، لينتهي بك الأمر أخيرا مُنهكة و محشورة في فستان زفاف يكبرك بقياسين “ للأمانة فستاني كان رائعا وعلى مقاسي تماما “ و مدبس بمئة دبوس حتى لا يسقط عن جسمك الذي نحف خلال تحضيرات العرس و شراء الجهاز.
( نعم الجهاز الذي تأخذينه معك مزينا بالزهور و الفيونكات ليعود اليك في أسوأ الاحوال في أكياس بلاستيكية سوداء حماتي الكلاس جمعت ملابسي في أكياس ورقية من زارا و مانغو ) ، تصورك الفتياة سرا حتى تتناقل صورك في مجموعات المسنجر لاحقا من أجل التنمر على إختيارك لألوان خاطئة، أو لتشير الى نحافتك وأن العروس تحتاج لوصفة مسمِنة، و صدقيني بعد زفة الجهل هذه سيكون ذلك التمر آخر شيء حلو تذوقينه في حياتك، لأنك من الآن فصاعدا ستتغدين السم الهاري و تتعشين بالعلقم .
2-زوجة أم عاملة منزلية: عند إتخاذك لقرار الزواج في المجتمع الجاهل , اعلمي أنك حصلت على صفقة مجانية مع عقد الزواج كخادمة بدوام كامل بدون أجر , فبين واجباتك الشرعية الأصلية مع الزوج و الاهتمام به و طاعته كما أمر الشرع وتربية أولادك تربية اسلامية صحيحة , وبين العمل كخادمة في بيت أهل الزوج من تنظيف و تلميع للارضيات و الأواني، و القيام بعزومات حتى ترضى عنك نساء العائلة و يتم اعتبارك كريمة و مضيافة و “حبابة”
يُستهلك شبابك و صحتك، فما بالك إن كنت موظفة حينها ستشتغلين في الشيفت الليلي، ثم عليك الاستحمام و التجمل من أجل عودة الزوج من العمل، تمرضين ؟؟؟ هه أختك في سوق الجهل موجودة، تذكرت تعالي هنا يا عروس لست أفضل من أخوات زوجك اللائي يعملن كآلات للخَبز و التنظيف في بيوت أزواجهن، فما كُتب عليهن من معاناة يجب أن يُكتب عليكِ أيضا “ماذا ؟ أخي يخونك ؟ لأن البيت مليء بالغُبار، أخي يُحب المرأة النظيفة، الفرفوشة، الصحية، الشاطرة، المثقفة، التي تُقدم سُفرا بريستيج لأصدقائه “ أُخته ستقول:
” آه لهذا يخونني مع الكثير من النساء لأنه يُحب كل هذه الأصناف، يجب أن أعمل بجد لأكون خادمة و زوجة و عاهرة ان لزم الأمر لأتمسك بزوجي “ ستقولين في سِرٍك
و هكذا تبدأ برمجتك على الاستعباد و قبول الاهانة والخيانة .
3-تحكم أهل الزوج: قبل الزواج اعلمي عزيزتي أنك ستأخذين وليّ العهد , فاتح الأندلس، العزيز ابن العزيز , القِديس، معذب قلوب بنات عماته , قنبلة الحنية , رشاش الرجولة، منبع الشهامة والشجاعة , أمير الأمراء، امبراطور القارات السبع و العوالم الموازية، محبوب الجدة وابن الخالات بالرضاعة، إنه الابن الحبيب و الأخ العزيز -زوجك- “ حتى ولو كان الأخ الأوسط هاها”، بقدومك، ستتأجج عاطفة الأمومة و تشتعل عاطفة الأخوة و يقع الزوج في حب عائلته من جديد، و ستكتشف حماتها أن لها ولدا تحبه، لذلك لا تتجرأي على حبه أو طلب البقاء معك في المنزل للثرثرة و التعرف، و تعلمي كيف تحبيه على طريقتهم لا على طريقتك .
ستتصل بك أخته الكبيرة - أمه الثانية- لتخبرك أنه يحب ملابس النوم الوردية، و أخته الأصغر منها -أمه الثالثة - لتسأل ان كان الغداء جاهزا خوفا من أن يموت هذا الكائن النادر من المجاعة بين يديك , بينما في حياته العزابية كان يأكل بقايا أكل الجيران ويشرب القهوة العربية من بيت صديقه لأن اخواته لا يجدن تحضيرها، بعيدا عن السخرية يتم التدخل في المجتمع الجاهل في كل صغيرة و كبيرة بداية من ألوان ملابسك الداخلية إلى لون الستائر و السجاد و الأسوأ هو التدخل في تربية أبناءك و محاولة عجنهم وتشكيلهم في مطبخ الجهل .
4-الانصهار في الجهل و فقدان الذات:
من أنت بعد الزواج مع الجهل ؟
هل أنت المتعلمة الشغوفة ؟
ربة البيت الحنون ؟
هل ترين نفسك القديمة أم فقدتها ؟
هل مازلتي تعاندين الجهل أم تعايشتي ؟
إن كنت متعلمة أو موظفة فأنت بالنسبة للجهل تعتبرين المرأة المتمردة، عبدة المدير، بنك الخليج و ست بيت فاشلة , و إن كنت ربة منزل و شاطرة حسب معايير كتاب قوانين الجهل فيا مرحبا بالشقاء ستتحولين الى طاحونة شغل البيت و ظل يقبع في إحدى غرف بيت اهل الزوج، ممسحة للأرضيات و مترعا للخيانة المشروعة ايه لأنك مطيعة وخدومة، الأسوأ من كل ما ذكرته أنك يوما عن يوم ستتبنين أفكارهم و ستحفظين كتاب الجهل بكل قوانينه عن ظهر قلب، و بسلاسة ستنبتين كيدٍ جديدة لوحش الجهل، لقمع الآخرين أو قمع نفسك في تحول تراجيدي، فما رفضته و قاومته يوما ستصفقين له غدا، و ستصورين المعاناة كأمجاد للعرائس الجدد .
5-ماذا فعلت المرأة بالتعلم آخرتك المطبخ: للأسف تزوجت في عائلة جاهلة بالمعنى الأكاديمي الحرفي فلم يتحصل أفراد هذه الأسرة إلا على الديبلوم الاعدادي , لكن للأمانة لهم دهاء ثعالب قد يعطيهم الدكتوراة الشرفية في السياسة، و لأنني كنت شيئا نادرا لا يمكن فهمه في ذلك المجتمع، وجب كسر مجاديفي، وكان علي سماع الأسطوانة الأسطورية اليومية.
“أحاي وش عملو بالتعليم آخرتهم المطبخ “
بينما تجري نحوي أحداهن طلبا للنجدة حتى أقرأ لها نتائج تحاليل ابنتها الرضيعة و تهرول إلي الأخرى لأترجم لها نصا بالانجليزية و تسألني حماتي التي شهدت على عملية شراء ابنها لي لمجموعة كتب اذا كنت قد قرأتها أم ليس بعد .
حسنا يا نساء الجهل، إليكن ماذا فعلت بالتعليم , التعليم ساعدني لأخرج من أزمة الطلاق لو لم أدرس لكنت الآن أندب حظي أو أعيش تحت أحذية طليقي النكرةإ ديبلومي ساعدني بالبحث عن عمل و العيش بكرامة دون منة منكم، وثقافتي العامة ساعدتني على كتابة مقالات لا يمكن لنساء تلك العائلة و ابنهم فك شفرتها , وعيي العاطفي العالي، جعلني افهم آلامي و أبدأ رحلة شفاء ذاتية بالكتابة و التقرب من الله لا بشق الصدور و التمرغ نافشة شعري في صالة البيت كما رأيت في ضروب جهلكم , حسنا يبدو ان كتابتي لهذا الآن يعد انتقاما للاستنقاص و التنمر الذي عشته من طرف نساء الجهل وابنهم , لكن هاه -رفع كتفين- لا يهم أنا أيضا امرأة و لربما أنني استعمل كيدي الآن في قلب الرأي العام عليهن، نعم نعم أعرف القاعدة النحوية لكن جمع طليقي مع نون النسوة ليس خطأً .
ختاما عزيزي القارئ وإن كنت أنا كاتبة المقال و كثير أخريات رحلنا عن هذا الزواج أخبرك أن هنالك من تبقى، أجل تبقى بكل حب و عطاء و جود ولا تفتر همتها بل تضحي أكثر .
ظننت أنها العادة و الإعتياد، ظننت أنه الإجبار و الاضطهاد نظرت لكل النساء بعين ظلم الزوج لي و تكاتف عائلته معه، لقد استغربت الأمر مثلك لكنني بفضول و حشرية أنثوية سألت و لم تخيبني المجيبات فقرار البقاء كان بسبب حسن المعاملة -ايه، لا تتفاجأ - حسن المعاملة الذي كان من قبل الزوج، فتخبرنبي إحداهن أن وجود زوجها آخر النهار ينسيها ما تقاسيه خلال اليوم من الرقص مع الأفاعي , و أخرى تقول أن حنية زوجها بالدنيا و تريد رد الجميل و ثالثة تتغنى به كسند و كتف تحميها من اساءة الدنيا، لذا هناك أمل للنجاة في المجتمع الجاهل إذا أصر الزوجين كلاهما على ذلك، إذا وجد الحب و الإحتواء، الاحترام والتقدير، فهنا لن تبقى المرأة جبرا أو قهرا، بل حبا و خدمة، مودة و رحمة.
أردت في المقال التطرق لظلم المجمع الجاهل للزوج , لكن قصر نظري على حياة الرجال , و صعوبة لبس نظارة رجالية للكتابة عن التجربة جعل الأمر صعبا نوعا ما , لذا أرمي الكرة في ملعب الكتاب الرجال لأجل طرح التجربة من المنظور الآخر , انتظر التقاط الفكرة والرد عليها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق