الماضي هو بداية النهاية
جملة قصيرة، لكنها قادرة على أن تضعك وجهًا لوجه أمام نفسك، لتسائلك: من أنت حقًا؟ الماضي… ماذا يعني لنا؟ بالنسبة للبعض، هو صفحة مظلمة يتمنون تمزيقها من كتاب حياتهم. وبالنسبة لآخرين، هو زمن ذهبي يشتاقون للعودة إليه. أليس كذلك؟ لكن، دعني أُعرّفك عليه بطريقة أخرى. الماضي هو بداية النهاية، كيف؟ لأبسط لكم الأمر. حياتنا مثل كتاب. الماضي هو الصفحة الأولى التي انطلقت منها القصة، وفي الوقت نفسه هو الحبر الذي سنكتب به آخر صفحاتنا. لماذا؟ لأن كل بداية نحملها معنا ليست وليدة اللحظة، بل هي ثمرة لما سبقها: ذكرى قديمة، فكرة، جرح، فرح، أو حتى كلمة عابرة قالها شخص ثم نسيها، بينما بقيت هي في أعماقنا تصنع شيئًا ما. وكل نهاية نصل إليها، مهما بدت جديدة، ليست سوى امتداد لما بدأناه منذ أول خطوة، أو أول ـــــ جرح ، أو أول ــــ حلم. الماضي يشبه الجذر… هو البداية لأنه منه انطلقت كل فروعنا، حتى وإن لم نختر تلك البداية. وهو النهاية لأن كل قرار نتخذه، وكل طريق نسلكه، وكل فكرة نتبناها، هي انعكاس مباشر أو غير مباشر لذلك الجذر، أو ربما محاولة للهروب منه أو الاقتراب منه أكثر. أحيانًا نقول: "بدأت من الصفر". لكن، في الواقع، لا يوجد صفر حقيقي. هناك دائمًا ما قبل البداية، شيء أقدم من اللحظة التي نعيشها الآن. ربما هو تجربة دفينة، أو شعور قديم، أو فكرة ظلت ترافقنا بصمت. هذا الشيء يهمس لنا، يوجّهنا، وربما.. يقيّدنا، حتى لو حاولنا نسيانه أو إنكاره. ولهذا، لا يمكن أن نعيش حاضرنا أو نبني مستقبلنا ونحن نتجاهل ماضينا. إنكار الماضي لا يمحيه، بل يجعله يتخفّى في قراراتنا وتصرفاتنا دون أن ننتبه. والعاقل من يتعامل معه بوعي، فيفهمه، ويستفيد من دروسه، بدل أن يظل أسيرًا له أو هاربًا منه طوال حياته. ولعل أجمل ما قاله الإمام علي عليه السلام في هذا المعنى: "العاقل من وعظته التجارب"، والتجارب لا تأتي من المستقبل، بل من الماضي. فالذي يرفض النظر خلفه، يسير في نفس الطريق وهو يظن أنه اختار طريقًا جديدًا. الماضي ليس دائمًا عدوّك، لكنه أيضًا ليس صديقك الذي يدفعك للأمام بلا حساب. هو مرآة، تكشف لك كيف وصلت إلى ما أنت عليه، وتذكّرك أن البدايات والنهايات ليست خطين منفصلين، بل دائرة تلتقي أطرافها عند ذات النقطة. لذلك، حين تفكر في مستقبلك، لا تنس أن خطوته الأولى تبدأ من مكانٍ ما في ماضيك. وحين تكتب النهاية، ستكتشف أن الحبر الذي استخدمته كان قد سُكِب منذ زمن بعيد. لذلك.. -الماضي هو بداية النهاية-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق