كتاب المشكلان الأساسيان في نظرية المعرفة

 خلاصة كتاب كتاب المشكلان الأساسيان في نظرية المعرفة

تاليف : كارل بوبر
ترجمة : نجيب الحصادي
الناشر : جداول للنشر والترجمة والتوزيع - بيروت
تاريخ النشر : 2018
تاريخ النشر باللغة الالمانية : 1978
"Die beiden Grundprobleme der Erkenntnistheorie".
اسم الكتاب باللغة الانجليزية
The Two Fundamental Problems of the Theory of Knowledge
Book by Karl Popper

كتاب المشكلان الأساسيان في نظرية المعرفة


الفكرة الرئيسية
الفكرة الرئيسية للكتاب هي إعادة تعريف طبيعة المعرفة العلمية من خلال التركيز على مشكلتي الاستقراء والتمييز بين العلم وغير العلم. يقترح بوبر أن العلم لا يعتمد على التحقق من النظريات بل على محاولة تكذيبها، مُقدمًا معيار القابلية للتكذيب (Falsifiability) كأساس للتمييز بين العلم والميتافيزيقيا أو الخرافات، ومؤكدًا أن المعرفة تتطور عبر النقد والاختبار التجريبي بدلاً من البحث عن حقائق مطلقة.
المحاور الرئيسية :
1- مشكلة الاستقراء (The Problem of Induction):
يبدأ بوبر بمناقشة مشكلة الاستقراء التي طرحها ديفيد هيوم، وهي السؤال عن كيفية تبرير الاستنتاجات العامة (مثل "الشمس ستشرق غدًا") بناءً على ملاحظات محدودة. هيوم رأى أن الاستقراء لا يمكن تبريره منطقيًا، لأنه يعتمد على افتراض أن المستقبل سيشبه الماضي دون دليل قاطع.
بوبر يوافق هيوم في استحالة تبرير الاستقراء، لكنه يقترح نهجًا جديدًا: العلم لا يعتمد على الاستقراء بل على التكذيب. النظريات العلمية ليست حقائق نهائية، بل فرضيات مؤقتة يتم اختبارها باستمرار. إذا فشلت النظرية في اختبار تجريبي، يتم رفضها أو تعديلها. هذا النهج يحل مشكلة الاستقراء بتحويل العلم إلى عملية نقدية بدلاً من عملية تأكيدية.
2- مشكلة التمييز (The Problem of Demarcation):
يتناول بوبر السؤال: ما الذي يميز العلم عن غير العلم؟ على سبيل المثال، لماذا تُعتبر الفيزياء علمًا بينما التنجيم أو التحليل النفسي ليس كذلك؟
يقترح بوبر معيار القابلية للتكذيب كخط فاصل. النظرية العلمية يجب أن تقدم تنبؤات محددة يمكن اختبارها تجريبيًا، بحيث إذا لم تتحقق هذه التنبؤات، يمكن إثبات خطأ النظرية. على سبيل المثال، نظرية أينشتاين للنسبية تقدم تنبؤات دقيقة (مثل انحناء الضوء قرب الجاذبية)، بينما النظريات مثل الماركسية أو التحليل النفسي غامضة وتُفسر أي نتيجة، مما يجعلها غير قابلة للتكذيب وبالتالي غير علمية.
3- منهجية العلم (Conjectures and Refutations):
يقدم بوبر نموذجًا للتقدم العلمي يعتمد على "التخمينات والتكذيبات". العلماء يطرحون فرضيات جريئة (تخمينات) ثم يحاولون دحضها عبر التجارب (تكذيبات). النظريات التي تقاوم التكذيب تُعتبر مؤقتًا مقبولة، لكنها ليست نهائية، لأن اختبارًا مستقبليًا قد يدحضها.
يرفض بوبر فكرة المعرفة المطلقة، ويرى أن العلم يتقدم عبر التقريب من الحقيقة (Verisimilitude)، حيث النظريات الجديدة تكون أقرب إلى الحقيقة من القديمة إذا كانت تفسر المزيد من الظواهر بدقة أكبر.
4- نقد الفلسفات التقليدية:
ينتقد بوبر الوضعية المنطقية (Logical Positivism) التي كانت سائدة في دائرة فيينا، والتي ركزت على التحقق (Verification) كمعيار للعلم. يرى بوبر أن التحقق مستحيل، لأن لا يمكن تأكيد نظرية بشكل نهائي بغض النظر عن عدد التجارب الناجحة.
بدلاً من ذلك، يؤكد على أهمية النقد والاختبار التجريبي، ويعتبر أن الفلسفات التي تعتمد على التحقق تفشل في تفسير ديناميكية التقدم العلمي.
الاستقبال النقدي
الإشادة:
يُعتبر الكتاب من الأعمال الرئيسية التي شكلت فلسفة العلم في القرن العشرين. معيار القابلية للتكذيب أصبح أداة أساسية في مناقشات التمييز بين العلم وغير العلم، وحظي بقبول واسع بين العلماء والفلاسفة.
أشاد العديد من الفلاسفة، مثل إيمره لاكاتوش، بنهج بوبر لكونه يعكس الطبيعة النقدية والديناميكية للعلم، بعيدًا عن الدوغماتية.
الكتاب يُعتبر أيضًا مدخلاً مهماً لفهم أفكار بوبر المبكرة، خاصةً في سياق نقده للوضعية المنطقية.
الانتقادات:
تعرض بوبر لانتقادات من فلاسفة مثل توماس كون، الذي رأى أن نهج التكذيب يتجاهل السياقات التاريخية والاجتماعية للعلم، حيث العلماء لا يتخلون عن نظرياتهم بسهولة عند مواجهة أدلة مضادة.
بعض النقاد، مثل بول فايرابند، اعتبروا معيار القابلية للتكذيب مقيدًا للغاية، مشيرين إلى أن العديد من النظريات العلمية العظيمة (مثل نظرية كوبرنيكوس) لم تكن قابلة للتكذيب بشكل واضح في بدايتها.
آخرون رأوا أن مفهوم "التقريب من الحقيقة" غامض ويصعب قياسه، مما يضعف إطار بوبر الفلسفي.
التأثير:
الكتاب أثر بشكل كبير على فلسفة العلم، ولا يزال معيار التكذيب يُستخدم في مناقشات حول طبيعة العلم، خاصةً في سياقات مثل نقد النظريات الزائفة (Pseudoscience). ومع ذلك، ظهرت مقاربات لاحقة (مثل نظرية كون عن الثورات العلمية) كبدائل أو مكملات لأفكار بوبر.
نبذة عن المؤلف
كارل بوبر (1902-1994): فيلسوف نمساوي-بريطاني، يُعتبر من أبرز فلاسفة العلم في القرن العشرين.
وُلد في فيينا، وتأثر ببيئة دائرة فيينا الفلسفية، لكنه سرعان ما اختلف مع الوضعيين المنطقيين.
هاجر إلى نيوزيلندا خلال الحرب العالمية الثانية، ثم استقر في بريطانيا حيث درّس في كلية لندن للاقتصاد.
من أشهر أعماله الأخرى: "منطق الاكتشاف العلمي" (The Logic of Scientific Discovery) و**"المجتمع المفتوح وأعداؤه"** (The Open Society and Its Enemies)، حيث دافع عن الديمقراطية والمجتمع المفتوح ضد الأيديولوجيات الشمولية.
كان بوبر ناقدًا للدوغماتية في العلم والسياسة، وأكد على أهمية النقد والتفكير الحر كأساس للتقدم البشري.
خلاصة نهائية
كتاب "المشكلتان الأساسيتان في نظرية المعرفة" يُقدم إطارًا فلسفيًا ثوريًا لفهم العلم والمعرفة، مركزًا على مشكلتي الاستقراء والتمييز. من خلال معيار القابلية للتكذيب، يُعيد بوبر تعريف العلم كعملية نقدية تتطور عبر التخمينات والتكذيبات، رافضًا فكرة الحقيقة المطلقة. رغم الانتقادات التي واجهته، خاصةً حول صرامة معياره وتجاهله للسياقات التاريخية، يبقى الكتاب عملاً أساسيًا في فلسفة العلم، مؤثرًا في فهمنا لطبيعة التقدم العلمي. بوبر، بأسلوبه النقدي وفكره المستقل، يقدم رؤية ملهمة للمعرفة كمسعى مستمر نحو الحقيقة عبر التجربة والنقد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق