في فضاء عربي يعج بالمحتوى الترفيهي، يبرز الدكتور محمد شرف، المعروف بـ"شرفشتاين"، كنموذج نادر لصانع محتوى علمي يجمع بين الكفاءة الأكاديمية والتقديم الجذاب. ومع ذلك، يظل اسمه بعيدًا عن قوائم المشاهير، على عكس غيره ممن لا يملكون ذات التكوين العلمي. فهل المشكلة في الجمهور؟ أم في الخوارزميات؟ أم أن المحتوى العلمي نفسه غير قابل للانتشار الواسع؟ هذا المقال يحاول تفكيك هذه المفارقة.
أولًا: من هو شرفشتاين؟
-
الاسم الحقيقي: د. محمد شرف
-
المؤهلات:
-
دكتوراه في البيولوجيا الجزيئية
-
ماجستير في الكيمياء الحيوية
-
إجازة في الهندسة الكيميائية
-
-
منصة النشاط: قناة "شرفشتاين" على يوتيوب، تأسست سنة 2017
-
نوع المحتوى: تبسيط مفاهيم علمية مثل النسبية، الكم، الجينات، بنية العقل، نظرية التطور، مع خلفيات فلسفية وسياقات تاريخية
ما يميز محتواه:
-
الدقة العلمية
-
الحس النقدي
-
الربط بين النظرية والتطبيق
-
أسلوب تقديم فني وجذاب
ثانيًا: لماذا لا ينتشر محتوى شرفشتاين كما يستحق؟
1. خوارزميات المنصات لا تفضل العمق
-
الخوارزميات تروج للمحتوى الذي يولّد:
-
تفاعلات فورية (تعليقات، إعجابات، مشاركة)
-
بقاء طويل للمستخدم في الحلقة
-
عناوين مثيرة وسريعة الفهم
-
محتوى شرفشتاين يحتاج إلى تركيز وصبر، وغالبًا لا يُشاهد على عجل أو أثناء التنقل.
2. المحتوى العلمي لا يستجيب لعادات الترفيه
-
الجمهور الأكبر على الإنترنت العربي يبحث عن:
-
ضحك، إثارة، أسرار
-
أو معلومات سريعة: "لماذا ننام؟"، "10 طرق للتركيز"، "ماذا يحدث لجسمك عندما..."
-
بينما يتحدث شرفشتاين عن "الاختزال في فيزياء الكم"، أو "فهم الذات عبر الجينات".
3. ندرة الدعم المؤسسي
-
لا توجد منصات تعليمية رسمية تتبنى محتوى مثل شرفشتاين
-
الجامعات والمؤسسات العلمية لا تملك وجودًا قويًا على يوتيوب
-
ضعف وجود الإعلام العلمي يجعل المحتوى الفردي معزولًا
4. إيقاع الإنتاج مقابل جودة المحتوى
-
فيديوهات شرفشتاين تتطلب:
-
قراءة كتب وأبحاث
-
كتابة سيناريو علمي بلغة مفهومة
-
تصميم بصري وصوتي جذاب
-
بينما ينشر آخرون فيديو كل يوم باستخدام سكريبتات عامة أو معلومات من ويكيبيديا.
مثال واقعي:
-
فيديو "ما لا تعرفه عن آينشتاين" عند شرفشتاين = 45 دقيقة محتوى مدروس
-
فيديو "لماذا آينشتاين كان أحمق؟!" في قناة غير علمية = 10 دقائق، مليون مشاهدة
رابعًا: من يتحمّل المسؤولية؟
1. المنصات
-
يوتيوب وفيسبوك تسوق للمحتوى السطحي أكثر من المتخصص
-
لا توجد "علامة جودة" للمحتوى العلمي الحقيقي
2. الجمهور
-
لا يبحث كثيرون عن "علم جاد"، رغم حبهم للعلم في التصريحات
-
التفاعل لا يترجم إلى دعم (مشاركة، تبرع، اشتراك)
3. صناع المحتوى العلميين أنفسهم
-
غالبًا لا يتقنون فنون الجذب البصري والتسويق
-
لا يعملون ضمن شبكات إنتاج متكاملة
خامسًا: هل الحل في التنازل عن العمق؟
هذا السؤال مفصلي. هل يجب أن يُسطح المحتوى العلمي ليصل إلى الجمهور؟ شرفشتاين يقدّم بديلًا واقعيًا: لا تضحّي بالدقة، لكن قدّمها بطريقة جمالية وسردية ذكية.
عناصر قوة يمكن البناء عليها:
-
القصص: استخدم قصة حياة العالم كمفتاح للفكرة (كما يفعل هو مع داروين، هايزنبرغ، آينشتاين)
-
المونتاج: فيديو بصري عالي الجودة مثل الأفلام الوثائقية
-
اللغة: عربية فصحى واضحة، بإيقاع درامي أحيانًا
الدكتور محمد شرف، المعروف بلقبه "شرفشتاين"، يمثّل حالة نادرة في العالم العربي: شخص يمتلك خلفية علمية صلبة (دكتوراه في البيولوجيا الجزيئية، ماجستير في الكيمياء الحيوية، إجازة في الهندسة الكيميائية) ويُسخّر هذا التكوين لصناعة محتوى علمي مبسّط، دقيق، وجذاب بصريًا. ورغم القيمة العلمية الواضحة لهذا المحتوى، وانتظامه منذ سنوات على منصة يوتيوب، لا يحظى شرفشتاين بذات الشهرة التي حققها آخرون يقدمون محتوى غير موثوق أو بسيط أو حتى خالٍ من أي أساس علمي.
المفارقة لا تتعلق بشخصه فقط، بل تعكس أزمة أعمق في بنية المحتوى العربي العلمي على الإنترنت، وترتبط بعوامل عدة:
- الخوارزميات التي تدفع نحو المحتوى السريع والسطحي، وتُقصي الفيديوهات التي تتطلب وقتًا للفهم أو متابعة طويلة.
- سلوك الجمهور العام، الذي يتفاعل أكثر مع العناوين الجذابة والمفاجئة، ويبتعد غالبًا عن المحتوى المعقّد أو المتخصص، حتى لو كان مبسطًا بلغة واضحة.
- غياب المؤسسات الأكاديمية أو الثقافية التي ترعى المحتوى العلمي الجاد أو تضمن له حضورًا وانتشارًا.
- ضعف الإنتاج الكمي لصناع المحتوى المتخصص، مقارنة بمن ينشر فيديوهات شبه يومية باستخدام مصادر مشكوك فيها أو غير علمية.
في الوقت نفسه، شرفشتاين يمثل مدرسة فكرية مهمة في صناعة المحتوى العلمي العربي: مدرسة تعتمد على رواية القصة، بناء الفكرة، ضبط المفهوم، وتقديم المعرفة ليس كإجابات جاهزة، بل كوسيلة لفهم الذات والعالم. وهو في هذا يوازن بين العمق العلمي والجاذبية البصرية، ويمنح للمشاهد تجربة تعليمية متكاملة.
لكن بقاء هذه المدرسة في الظل يُهدد بتحول الإنترنت العربي إلى مساحة تهيمن عليها الشعوذة المقنّعة بالعلم، والنصائح الطبية الزائفة، والنظريات المبنية على الإثارة لا البرهان. وهذا ما يجعل دعم صناع المحتوى أمثال شرفشتاين ضرورة معرفية، لا مجرد تفضيل شخصي.
فالمشكلة ليست فقط في المنصات ولا في الجمهور، بل في غياب التنسيق بين من ينتج المعرفة ومن يروّج لها. المطلوب اليوم ليس فقط صانع محتوى ممتاز، بل منظومة متكاملة تشمل:
-
صناع علميين يحترمون جمهورهم
-
مصممين يعززون جودة التقديم
-
مؤسسات ترعى وتدعم
-
جمهور واعٍ يعرف الفرق بين المحتوى الجيد والسطحي
شرفشتاين يستحق أن يكون أكثر من مجرد اسم معروف بين النخب. هو مشروع علمي ثقافي يستحق أن يُصبح تيارًا، لا استثناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق