خائن الضحكات - قصيدة للشاعرة تسنيم حومد سلطان


قصيدة  للشاعرة تسنيم حومد سلطان


كمزارعٍ في الحقلِ،يغرسُ بذرةً
أجني بكفِّي، وجهكَ المحتالا

ما كنتُ أعلمُ أن عينيّكَ اللتين هما الهدى.. ستخبئان ضَلالا

حتّى الحروف على يديكَ تثاقلت،
تاهت،
وماعادت تطيقُ مقالا
ومضيتَ تجرحُ ماتبقّى من نَدىً
حتى اتخذتَ من الجَفافِ مِثالا

أنا لا ألوم الرّيح،
لكن خانني بَابي،
وصدّق طيفكَ المختالا

سقطَ العتابُ،
ولم يعد لي منطقٌ إلّا السُّكونُ،
به أداوي الحالا ..

أعطيتَني وجهاً يُضيءُ كأنّهُ شمسٌ، تُعلِّمُ ليلَها الإقبالا

سلّمتني للحلمِ،
ثمَّ نزعتهُ،
كالبرقِ أومضَ ثمَّ عادَ زوالا ..

كنتَ الإله على ندوبيَ كلّها،
واليوم جاءت تقتفي الأطلالا

ما عدتُ أرجو من غيومكَ موسمًا
صارت حقوليَ تعشقُ الأقفالا

لم تبقِ شيئًا كي أعود،
فها أنا أمضي،
ومنّي لن تنولَ مآلا

في كلِّ كسرٍ كنتُ أُنبتُ حكمةً
والآن أغزلُ من دموعيَ شالا

صوتي وإن خنق البكاءُ حروفه
مازال يتقنُ في الهوى، الموّالا

للجرح معنىً، حين ندركُ أننا كنّا نشكّل للوداع سلالا

أنا من تخبّئها المرايا هيبةً
وإذا مشيت... مشى الزَّمان جلالا

ماذا تركت سوى الغُبار و رجفةٍ في البال..؟!
حبُّك ما استحق نزالا

كنتَ الجراح ولم تكن يومًا يداً
أو حضن صدق يحتوي الأهوالا

كلُّ الذي بيني وبينك أنني قد قمتُ
وانطفأتْ خطاك .. زوالا

أنا لستُ من تبكي غيابكَ إن مضى
بل من إذا سقطَتْ،
سمتْ أطوالا

فدعِ التودّدَ إن أتَى من بائسٍ
واقطعْ به الشكّ الذي قد نالا

وسأتركُ الأيام تمحو خيبتي
فالبعضُ يولدُ كي يكونَ وبالا

ما كلُّ قلبٍ بالجنونِ يُقاسُ، لا… بعضُ القلوبِ تمرُّ كي تحتالا

الشاعرة تسنيم حومد سلطان

تعليم رديء: تفكيك الخرافات الدارجة في التعليم

 

تعليم رديء: قراءة في تفكيك الخرافات الدارجة في التعليم

تعليم رديء: تفكيك الخرافات الدارجة في التعليم

يأتي كتاب تعليم رديء: تفكيك الخرافات الدارجة في التعليم (ترجمة نادية جمال الدين ويونس عبد الغني، عن المركز القومي للترجمة، 2017) ليشكّل وقفة نقدية جريئة أمام أكثر المقولات شيوعًا في ميدان التربية. المؤلفان، فيليب إيدي وجوستين ديلون، لا يكتفيان بمجرد استعراض هذه الأفكار، بل يواجهانها بلغة بحثية مدعومة بالأدلة العلمية، بغرض كشف هشاشتها، وإبراز كيف تسهم في تكريس تعليم سطحي، لا يعالج جوهر العملية التربوية ولا يطوّر فعليًا قدرات المتعلمين.

الكتاب ينطلق من فرضية أساسية: أن الرداءة في التعليم ليست نتيجة فشل فردي من معلّم أو طالب، بل هي انعكاس لبنية معرفية ومؤسسية تعيد إنتاج نفسها عبر تكرار "الخرافات التربوية". ومن هنا، تصبح مقاومة هذه الخرافات شرطًا أساسيًا لتأسيس تعليم حقيقي وفعّال.

أولًا: وهم تصنيف المتعلمين

من أكثر الخرافات شيوعًا تلك المرتبطة بتصنيف المتعلمين إلى أنماط أو فئات:

أنماط التعلّم (Learning Styles): الفكرة التي تقول إن بعض الطلاب يتعلّمون بصريًا وآخرون سمعيًا أو حركيًا، ويجب على المعلم تكييف الدرس وفقًا لذلك.

الذكاءات المتعددة (Multiple Intelligences): التصور القائل بأن الذكاء ليس واحدًا بل أنواع متعددة (لغوي، رياضي، موسيقي، حركي… إلخ).

الكتاب يبيّن، بالأدلة، أن هذه التصنيفات تفتقر إلى قاعدة علمية متينة، وأن تطبيقها في الصفوف لم يؤدِّ إلى تحسّن حقيقي في أداء المتعلمين. المثال العملي الذي يسوقه المؤلفان هو أنّ الطلاب، مهما اختلفت ميولهم، يحتاجون جميعًا إلى التعرض لمختلف أنماط المعرفة والوسائط، لأن التعليم الفعّال هو تفاعل معقّد يتجاوز مجرد "القالب" الذي يوضع فيه المتعلم.

ثانيًا: خدعة التكنولوجيا كمنقذ

تُقدَّم التكنولوجيا غالبًا بوصفها الحل السحري لمشكلات التعليم: السبورات الذكية، الأجهزة اللوحية، المنصات الرقمية… إلخ.
لكن المؤلفين يشددون على أن التكنولوجيا في ذاتها لا قيمة لها ما لم تُدمج في إطار تربوي نقدي.

على سبيل المثال، وفّرت بعض الحكومات آلاف الأجهزة اللوحية للطلاب، لكنها لم تحقق قفزة نوعية في نتائج التعليم. السبب أنّ التقنية استُخدمت كأداة شكلية، لا كجزء من رؤية تعليمية شاملة تُعيد التفكير في علاقة الطالب بالمعرفة.

التعليم، كما يوضح الكتاب، ليس مسألة "أدوات"، بل مسألة معنى، وبالتالي فإن التكنولوجيا لا يمكن أن تكون بديلًا عن المعلم أو المنهاج، وإنما عنصرًا مساعدًا يخضع لاستراتيجية تربوية واعية.

ثالثًا: صورة المعلّم

خرافة أخرى يناقشها الكتاب هي الاعتقاد بأن المعلم الجيد هو فقط من يجيد الإلقاء والتواصل. هذه الصورة المبسطة تختزل المعلم في دوره كـ"مؤدٍّ"، بينما الواقع أعمق بكثير.

المعلم، في منظور المؤلفين، هو:

صانع للمعنى.

محفّز للتفكير النقدي.

مُيسّر لحوار تفاعلي يحرّر المتعلم من التلقين.

على سبيل المثال، قد ينجذب الطلاب إلى معلم لبق، لكنه إذا لم يساعدهم على التفكير النقدي، فلن يحقق فرقًا طويل المدى في حياتهم المعرفية. المعلم الحقيقي هو الذي يفتح آفاقًا للطلاب لفهم العالم، حتى لو كان أسلوبه أقل "إبهارًا".

رابعًا: إشكالية "المدارس الجيدة"

من التصورات الراسخة أنّ هناك مدارس "جيدة" وأخرى "سيئة"، وأن الحكم على المدرسة يجب أن يكون مبنيًا على درجات الامتحانات أو السمعة. لكن الكتاب يكشف أن هذه التصنيفات تختزل العملية التعليمية في مؤشرات كمية ضيقة.

مثلًا: مدرسة ذات نتائج عالية في الاختبارات قد تحقق ذلك من خلال التركيز على الحفظ والتلقين، لا من خلال بناء عقل نقدي.

بينما مدرسة أخرى قد لا تظهر نتائج مذهلة في الامتحانات، لكنها تخرّج طلابًا أكثر إبداعًا وقدرة على حل المشكلات.

بهذا المعنى، يصبح الاعتماد على "المؤشرات الصلبة" فقط (كالدرجات) خرافة تخفي وراءها واقعًا أكثر تعقيدًا.

خامسًا: حجم الفصول والعدد المثالي

يشيع القول بأن تقليل عدد الطلاب في الفصل سيؤدي تلقائيًا إلى تحسين التعليم. لكن المؤلفين يوضحان أن العلاقة ليست بهذه البساطة.

صحيح أن الصفوف الصغيرة تسهّل التواصل الفردي.

لكن جودة التعليم لا ترتبط فقط بالعدد، بل بمهارة المعلم، ونوعية المنهاج، وفعالية الإدارة التعليمية.

مثال على ذلك: في بعض المدارس الخاصة، تكون الفصول صغيرة لكن التعليم رديء لغياب رؤية تربوية حقيقية. وفي المقابل، مدارس مكتظة بالطلاب قد تحقق نجاحًا إذا توافرت قيادة تربوية واعية.

سادسًا: التعليم كعملية اجتماعية وسياسية

الكتاب يؤكد أن التعليم ليس مجرد عملية معرفية محايدة، بل هو أيضًا عملية اجتماعية وسياسية. أي أنه يتأثر بالبنية المؤسسية، والثقافة المجتمعية، وحتى بالسياسات الاقتصادية.

عندما يُربط التعليم فقط بسوق العمل، يُختزل المتعلم في "أداة إنتاج" لا في إنسان متكامل.

عندما يُصاغ المنهاج ليعكس توجهات سياسية أو أيديولوجية، يفقد التعليم استقلاليته وقدرته على تطوير النقد الحر.

بهذا المعنى، فإن أي محاولة لإصلاح التعليم يجب أن تنطلق من وعي بطبيعته المركبة، لا من وصفات جاهزة أو حلول سريعة.

دعوة إلى التحرر من الخرافات

في خاتمة الكتاب، يوجه المؤلفان دعوة صريحة إلى المربين وصناع القرار:

التحرر من الاستسلام للأفكار الجاهزة.

إعادة بناء التعليم على أساس التفكير النقدي.

الاستناد إلى الأدلة العلمية لا إلى الشعارات.

فالتعليم، كما يشددان، ليس مجرد ممارسة شكلية، بل هو فعل إنساني عميق، يُعيد إنتاج الإنسان ويفتح أمامه أفق الحرية.


كتاب تعليم رديء: تفكيك الخرافات الدارجة في التعليم يضع المرآة أمام الممارسات التربوية السائدة، ويكشف أن كثيرًا مما نعتبره "حقيقة تعليمية" ليس إلا وهْمًا أو تبسيطًا مغلوطًا. وهو بذلك يسهم في دفع النقاش نحو إصلاح تعليمي قائم على النقد، والبحث العلمي، وإعادة الاعتبار للبعد الإنساني في التربية.

الاحتيال المنهجي في الرياضيات: عندما تنهار الثقة بالبحث العلمي

 


فضيحة احتيال منهجي في الرياضيات: أزمة تهدد مصداقية البحث العلمي

الاحتيال المنهجي في الرياضيات: عندما تنهار الثقة بالبحث العلمي



لم تعد الرياضيات، التي لطالما اعتبرت النموذج الأرقى للصرامة والمنهجية العلمية، بمنأى عن الفساد الأكاديمي. فقد كشفت دراسة حديثة قادتها الباحثة الألمانية إلكا أگريكولا من جامعة ماربورغ، بالتعاون مع جمعيات رياضية دولية، عن فضيحة هزت الأوساط العلمية، حيث تم رصد ممارسات احتيالية واسعة في منشورات الرياضيات على مستوى العالم. هذه الممارسات لم تكن مجرد حالات فردية معزولة، بل اتخذت شكلاً منهجياً يهدد بنية النظام الأكاديمي برمته.

المشكلة الجوهرية، كما أظهر التحقيق، تكمن في أن تقييم الباحثين لم يعد قائماً على جودة المحتوى العلمي، بل على مؤشرات رقمية تجارية مثل عدد الاستشهادات وعامل التأثير للمجلات. هذه الأرقام أصبحت هدفاً بحد ذاتها، مما دفع بعض الباحثين والمؤسسات إلى البحث عن طرق ملتوية لرفعها، حتى لو كان ذلك على حساب المصداقية العلمية. على سبيل المثال، تمكنت جامعة في تايوان من الحصول على تصنيف عالمي أول في مجال الرياضيات، رغم أنها لا تقدّم برامج تعليمية في الرياضيات أصلاً. هذا المثال الصادم يكشف كيف يمكن للأرقام أن تُضلّل عندما تُفصل عن الواقع العلمي.

الأمر لم يتوقف عند الجامعات، بل ظهر ما يمكن وصفه بـ شركات الظل التي تعرض خدمات مشبوهة للباحثين، مثل بيع مقالات للنشر في مجلات منخفضة الجودة، أو إنشاء شبكات من الاستشهادات الوهمية لرفع مؤشرات التأثير. هذه الشركات لا تخدم العلم، بل تبيع الوهم مقابل المال، وتحوّل سمعة الباحث أو المؤسسة إلى سلعة تجارية يمكن شراؤها. النتيجة الطبيعية كانت ظهور مقالات بلا قيمة علمية حقيقية، بل مليئة بالأخطاء أو منسوخة في بعض الأحيان، ومع ذلك تُحسب لها أرقام تضخم مكانتها في المشهد الأكاديمي.

الأخطر من ذلك هو صعود ما يُعرف بـ المجلات الضخمة أو Megajournals، وهي منصات تنشر مقالات مدفوعة أكثر مما تنشره جميع المجلات الرياضية المرموقة مجتمعة. هنا يتحول النشر العلمي إلى سوق مفتوح، حيث يصبح الدفع هو المعيار الأول للحصول على مكان على رفوف هذه المجلات، بغض النظر عن جودة المحتوى أو أصالته. هذا الواقع يخلق حالة من تآكل الثقة في البحث العلمي، إذ لم يعد القارئ قادراً على التمييز بسهولة بين البحث الرصين والورقة المفرغة من المضمون.

النتائج المترتبة على هذه الفضيحة تتجاوز الرياضيات لتطال العلم بأكمله. فكما عبّر البروفيسور كريستوف سورجر، الأمين العام للاتحاد الرياضي الدولي: "العلم الزائف لا يهدد العلم فقط، بل يهدد المجتمع بأسره، لأنه يقوّض الثقة ويجعل من الصعب التمييز بين ما هو صحيح وما هو خاطئ." هذا التحذير يلخص حجم الخطر: إذا تحولت المعرفة إلى لعبة أرقام بلا معنى، فإن أساس البحث العلمي نفسه يصبح مهدداً.

أمام هذا الوضع، دعا الباحثون إلى إصلاح جذري لنظام النشر الأكاديمي. فبدلاً من مطاردة الأرقام، يجب أن تعود الأولوية إلى جودة البحث العلمي ومدى أصالته وإسهامه الحقيقي. كما أوصوا بضرورة إدخال شفافية أكبر في طريقة حساب المؤشرات الأكاديمية، وإعادة زمام التقييم للمجتمع العلمي نفسه بدلاً من تركه في يد شركات تجارية تسعى وراء الأرباح.

هذه الفضيحة، رغم قسوتها، قد تكون فرصة لإعادة التفكير في طبيعة البحث العلمي ودوره. فإذا لم تُتخذ خطوات إصلاحية عاجلة، فإن الهوة بين "الأرقام" و"الحقيقة العلمية" ستستمر في الاتساع، وسيبقى العلم مهدداً بأن يتحول إلى مجرد سباق تسويقي يخدم المصالح التجارية أكثر مما يخدم الإنسانية.

التشابك الكمي ومفاجأة أينشتاين: تجارب أسبكت التي غيرت الفيزياء

 

في عالم الفيزياء، ثمة لحظات تغيّر نظرتنا للواقع. من بين هذه اللحظات التجربة التي قام بها العالم الفرنسي ألان أسبكت في أوائل الثمانينات، والتي أثبتت أن الكون أغرب مما كنا نظن. أسبكت برّهِن تجريبياً، لا نظرياً فقط، أن الجسيمات المتشابكة (“entangled particles”) تتصرف بطريقة تبدو وكأنها تتبادل معلومات فورياً، حتى لو كانت على مسافات تفصل بينها آلاف الكيلومترات.

التشابك الكمي ومفاجأة أينشتاين: تجارب أسبكت التي غيرت الفيزياء

في هذا المقال سنشرح:

  • ما هو التشابك الكمي وما هو مفارقة EPR التي أثارت الجدل.

  • ماذا فعل أسبكت تحديداً.

  • لماذا لا يعني هذا “نقل معلومات أسرع من الضوء”.

  • أمثلة مبسّطة تساعد على فهم الفكرة.

  • تأثير هذه الاكتشافات اليوم والمبادئ التي غيّرت فهمنا للفيزياء.

ما هي مفارقة EPR وما هي التشابك؟

مفارقة EPR:

  • المفارقة سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى أينشتاين – بودولسكي – روزن، في ورقة عام 1935، حيث تحدّثوا عن أن ميكانيكا الكم ربما تكون غير مكتملة.  

  • الفكرة: إذا كان لدينا جسيمان تفاعلَـا ثم انفصلا، فيمكن أن يكون لديهما خواص متشابكة. إذا قست خاصية في الجسيم الأول، ستعرف فوراً خاصية الجسيم الثاني، حتى لو كان بعيدًا جدًا. هذا يبدو وكأنه “تأثير شبحي عن بعد” (spooky action at a distance) وهو ما رفضه أينشتاين لأنه يبدو أنه ينقض مبدأ النسبية الذي يقول إن لا شيء يمكن أن ينتقل أسرع من الضوء.  

  • كما أن المفارقة تطرح سؤالين: هل توجد “متغيرات خفية” (hidden variables) تحدد مسبقًا هذه الخواص؟ أم أن الواقع نفسه لا يكون محددًا إلا عند القياس؟  

التشابك الكمي:

  • عندما يكون جسيمان في حالة “متشابكة”، لا يمكن وصف حالة أحدهما بمعزل عن الآخر، حتى لو افترضنا أنهما منفصلان مكانياً. 

  • التشابك يعني أن القياس على أحد الجسيمين فوراً يُحدّد حالة الآخر بطريقة إحصائية تعتمد على مخرجات القياس، بطريقة لا يمكن تفسيرها بواسطة قوانين فيزياء كلاسيكية بحتة.  

ما الذي فعله ألان أسبكت؟

ألان أسبكت وفريقه نفّذوا سلسلة من التجارب في الفترة ما بين 1980-1982 بغرض اختبار مفاهيم مثل:

  • عدم المحليّة (Non-locality): أي أن نتائج القياس على جسيم ما يمكن أن تؤثر على جسيم آخر بعيد، بطريقة لا يمكن تفسيرها بتفاعل “محلي” (أي عبر وسيط يحتاج وقتًا ليصل). 

  • انتهاك متباينات بيل (Bell inequalities): جون بيل اقترح معادلات يُفترض أن تُحقّقها أي نظرية تعتمد على المتغيرات المخفية المحلية. التجارب التي تكسر هذه المتباينات تدل على أن الواقع لا يمكن وصفه بواسطة متغيرات خفية محليّة فقط.  

كيف أجرى التجربة:

  • استخدام فوتونات (أي جسيمات الضوء) متشابكة تُبعَث من مصدر مركزي إلى اتجاهين مختلفين. 

  • وضع مستقطِبات (polarizers) في مسارين مختلفين، بحيث تُقاس قطبية (polarization) كل فوتون عند زوايا مختلفة.  

  • تطوير التجربة بحيث تُغيَّر إعدادات المستقطِبات أثناء تحليق الفوتونات (أي بعد انطلاقهما، وقبل أن تصل القياسات) لضمان أن لا يكون هناك وقت كافٍ لأي “إشارة” تنقل من جانب إلى آخر في سرعة الضوء. هذا يساعد في إغلاق ما يُعرف بـ “locality loophole” أي ثغرة المحليّة. 

النتائج:

  • تم تأكيد انتهاك متباينات بيل بصورة واضحة، مما يدعم تنبؤات ميكانيكا الكمّ بأن التشابك الكمي هو شيء فعلي، ليس مجرّد فكرة نظرية.  

  • التجربة أقنعت المجتمع العلمي أن الفرضية التي تقول بأن “الواقع يجب أن يكون محددًا محليًا مسبقًا” (أي أن كل جسيم يحمل معلومات كاملة مستقلّة عن الآخر) لا تكفي لشرح النتائج.  

هل هذا معناه “معلومات تُنقل أسرع من الضوء”؟

ليست بالضبط.

  • التشابك لا يسمح بإرسال رسالة مفيدة أسرع من الضوء. حتى لو أن قياسًا على أحد الجسيمات يُؤثر فوراً على الحالة الكمية للجسيم الآخر، لا يمكن للشخص الذي يقيس أن يختار بالضبط أي نتيجة تظهر (المقياس يعطي نتائج عشوائية جزئيًا). 

  • ما يُظهره أسبكت هو أن نتائج القياسات مترابطة بطريقة لا يمكن تفسيرها فقط عبر ما يُعرف بالمتغيرات المخفية المحلية، ولكن ليس أن هناك “إشارة” يمكن إرسالها بين الجسيمين بسرعة تفوق الضوء. 

أمثلة مبسّطة لتوضيح الفكرة

لنجرب بعض الأمثلة لتقريب الفكرة:

  1. زوج من القفازات في صناديق مغلقة
    تخيل أنك تأخذ زوجًا من القفازات: واحدة لليد اليمنى، واحدة لليد اليسرى. تضع كل قفاز في صندوق مغلق وترسل صندوقًا إلى صديق يعيش بعيدًا، وصندوقًا تبقيه أنت. حينما تفتح الصندوق الخاص بك فتجد أن القفاز هو لليد اليمنى، فورًا تعرف أن الصديق لديه القفاز الأيسر. هذا مثال بسيط، لكن هنا المعرفة مسبقة، لا يحدث شيء غامض بعد الفتح.

  2. الفرق مع التشابك الكمي
    في التشابك، لا يكون الجسيمان مهيّئين مسبقًا بأن أحدهما “يمين” والآخر “يسار”. بل يكونان في حالة مزيج (superposition) من الحالتين في آن واحد حتى يُجري أحدكم قياسًا. عند القياس، تُحدَّد حالة أحدهما وتُعرف الحالة الأخرى فورًا. إنَّ هذه “المعرفة” ليست نتيجة تحضير مسبق (كما في القفازات)، بل هي “انهيار حالة الكمّ” — وهو ما يُعتبر غريبًا حينما تكون المسافات كبيرة. المعادلة التي تشرح هذا الأمر تأخذ بعين الاعتبار أن الاحتمالات تكون متطابقة أو مترابطة بطريقة لا تستطيع نظرية محلية بسيطة تحقيقها.

  3. تبديل زاوية القياس أثناء تحليق الفوتونات
    لنفترض أن لديك مستقطِبًا تستطيع تغييره زاويته في اللحظة الأخيرة، أثناء تحليق الفوتون. الفوتان يطيران، لا تعرف أي زاوية ستقيس، ثم عندما تصل، تختار زاوية معينة. أسبكت فعل هذا تقريبًا ليتأكد أن لا يكون للمصدر أو الجسيمات أي "معلومات مسبقة" عن الزاوية التي ستُختار، مما يُزيل إمكانية أن الجسيمات “تتفق مسبقًا” على النتائج قبل أن يُقاس أي منها.

لماذا التجربة هامة؟ ما التغييرات التي أحدثتها

  • وفّرت أدلة قوية جدًا على أن الواقع الكمي لا يعمل وفق التصوّرات الكلاسيكية البسيطة. المفهوم بأن “الخصائص موجودة دائمًا، فقط يُكشف عنها القياس” أصبح أقل منطقية.

  • أنها فتحت الطريق لحقبة جديدة في الفيزياء تُعرف بـ الثورة الكمومية الثانية، التي تشمل الحسابات الكمومية، تشفير الكم، الاتصالات الكمومية، وأجهزة تستفيد من التشابك. 

  • كما أن جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2022 مُنحت لألان أسبكت، جان كلوزيه، وأنتون زايلنجر، لـ “التجارب مع الفوتونات المتشابكة التي أثبتت خرق متباينات بيل، ومدًّت آفاقًا لعلم المعلومات الكمي.”  

تحديات وأسئلة مفتوحة

  • كيف نفسّر “الانهيار” الفوري لحالة الكمّ؟ ما زال هناك جدل فلسفي بين مدارس تفسير ميكانيكا الكمّ (مثل تفسير كوبنهاغن، تفسير العوالم المتعددة، تفسير المتغيرات الخفية مثل نظرية بولميان).

  • هناك دائماً “ثغرات” تجريبية يُحاول العلماء إغلاقها، مثل ثغرة الكشف (detection loophole) أو ثغرة المحليّة (locality loophole) والتأكد من أن لا يكون هناك أي تفاعل “خفيّ”. أسبكت قام بخطوات كبيرة لإغلاق بعضها. 

 

إن تجربة ألان أسبكت تُعلّمنا:

  1. أن الواقع ليس دائماً كما يبدو لنا بالعقل البشري — في المستوى الكمي الواقع يمكن أن يكون مترابطًا بطريقة غامضة تفوق حدود المكان.

  2. أن العلم لا يتوقف عند النظريات، بل يحتاج إلى تجارب دقيقة تُختبر الافتراضات التي نعتبرها بديهية.

  3. أن التقدير والمكافأة قد يتأخران  فقد انتُهِي إلى هذه النتائج المهمة بعد عقود من المناقشة والنظرية.

  4. أن العلم يتيح معرفة متوازية مع التواضع: هناك أمور غامضة فعلاً، فحتى الآن لا يوجد تفسير نهائي لكيفية “انهيار الحالة” أو ما يعنيه ذلك من الناحية الميتافيزيقية.

قلعة الأشاوس -الكاتبة قطياني هديل

قلعة الأشاوس 1
قلعة الأشاوس     -الكاتبة  قطياني هديل



أنا المنطفئ وداخلي نار متأججة، أنا الهادئ وداخلي بركان،  أنا البريء وداخلي اتهام، أنا الصامد وداخلي حطام، أنا المحطَّم في صورة تحفة.
تهتُ في صحراء أظن أني لن أجد ذاتي ما حييت، حتى بدت لي قلعة تتربع على مرتفع من الأرض، تبرزها أشعة الشمس فما تزيدها إلا مهابةً وإباءً.
إنها قلعة… ويا لها من قلعة!
ألفة بلونٍ زاهٍ ترسل في قلب القارئ أطياف سعادة.
كنت أرى أسرابًا من الدعاسيق تُصفِّق بأجنحتها وتسير في تموّج بديع صوب القمّة.
داعب المنظر روحي، فأردت معرفة ما تحويه.
دخلت…
كل سكانها من الطبقة النبيلة، كانت وجوههم منيرة، وجوه يخيل لك أنها لم تبكِ يومًا.
إنها مخلوقات دائمة السرور، يحوم فوقها نجوم متلألئة.
كل فرد هنا منظم، يعمل وفق منهاج صارم، منظر يجعلك تسأل نفسك دائمًا: كيف لهم بهذا الصفاء؟
هنا الكثير من الفراشات بألوان فاتنة، يلبسن الإستبرق والتيجان الفضية.
“أيا سُكَر، أأستطيع أن أسألك؟”
كانت مثالًا للتواضع، كيف ردّت عليَّ بكل هدوء:
“كيف أخدمك يا بطلة؟”
بطلة؟! شخص تائه مثلي، حزين ومرتبك، يُنادى بطلة؟
ما سبب البشرى على وجوهكم؟
نحن نعانق إكسيرًا منذ أن قبلنا الحياة، تعلقنا به تعلق الأم بابنها.
أأستطيع أنا أيضًا؟
نعم، لكن بشرط أن تمرَّ على الفحص، فإن كانت لك بذرة ألفة فستُقبَل، وإلا فستُرفَض.
ريد أن أكون مثلهن… لا أدري، لكن أريد.
إنه فحص إيجابي.
أنا مقبول.
بدأنا في الاجتهاد، وكان عملًا شاقًا، والعجيب أنهن مستمتعات… ما زلن مبتسمات.
إنه الفجر…
الكل يهرول نحو برجٍ ذي زرابي حمراء، ذي قواعد وأعمدة بيضاء كأنه معسكر.
رأيت الفراشات يتعاضدن، يشربن هذا الإكسير، ويحلقن فوقه والفرحة تبتسم.
رأيت معنى الوجود… معنى الحياة.
وأنا الذي كنت أظن أنه لا نعيم غير نعيم الدنيا، تذوقت طعم السعادة في هذا السبت.
فيا سبتَ الجهاد… إلى اللقاء.
إنها لحظة الرجوع، علَّقت في كتفي شارة ناصرة الحق، ورجعت… رجوعًا محمَّلًا بتوبة نصوح، رجوعًا محمَّلًا بالثبات وسط أعاصير هذا الباطل.
بعد قلعة الألفة:
ما عدتُ أبكي،
ما عدتُ أخاف، فاللطيف يسمع ويرى وهو دائمًا معي، ما عدتُ أشتكي، فاللطيف قريب مجيب.
جعل الله لكِ البركة والقدرة والفردوس أجمعين .
 
قلعة الأشاوس2 :

مهمة القلعة
كان العصر كعادته ، أجواء هادئة تعبق برائحة التنافس ، اجتمعت الفراشات لتشكل سربا ، بدأت إشراقة القمر مع تراتيل وأرواح تلاقت على وئام. الأضواء الخافتة للقعلة تبعث دفئا والمكان يفيض بأناقة البساطة . تنظم الماسات الحلقات لاكتشاف الإكسير واستنشاق المنافع ، تجمد الزمن وانطفأ الصوت ولم تبقَ سوى نبضاتنا تزداد سرعة ، انتقلت الأعين إلى تفاصيل البرقيات القديمة الموجودة وسط الإكسير .
أغرقتنا موجة الدهشة بهدوء ثم جرفتنا بقوة نحو التساؤلات حيث كل شيء يبدو أعمق وأكثر عموضا مما نتخيل .
كل فرد منا حمل البرقية ومر على حقن بسائل الثبات ، في الوريد العميق .
كانت أصوات داخلية بصوت السكرة السمراء
" واجب عليكن أن تبحثن عن المعنى "
على غير المتوقع تحولت القلعة إلى مواضع مختلفة معدومة الحياة ، إلا بلدات صغيرة تتجرع أقساطا من المآزق
شرعت الفراشات بالتكليف
طائفة للصحراء قاحلة والبرقية المشفرة
" واصبر وما صبرك إلا بالله "
حيث تتبع حياة رجل مسكين حكم عليه بالقصاص ظلما ، و كان كل من في تلك البلدة ضده بدءا من القيادي
تتحدث رائدة الثلة الأولى مع المظلوم "
مرحبا يا سيدي سلام محترم وبعد
لم نعي معنى هذه الصحيفة المشفرة وما وجدنا من قوم إلا أنتم
ما الصبر ؟
حكمت محكمة البلدة علي بالقصاص
هجرني كل أهلي
وها أنا أقف مكبل الأيدي
في حيزمحدود مع مجرم مدان
ها أنا أستغفر ربي وأذكره ولا أحزن ولا أشكي
وربي وربكم سينجيني ".
وقف كل أفراد البلدة في البيداء
منتظرين الإعدام
وكالعادة يطلبون من الذي سيعدموه
أمنيته الأخيرة !
حساء ٌساخنٌ
علت ضحكاتنا
أفي هذا الوقت يا عماه !
إنه يبتسم
لقد اكتفى ، أم له يقين بأن لن يطبق الحكم
أم أنها خدعة
نادى نائب القيادي
مات ، وألغي الحكم
حادثة الحجاج مع الغلام تتكرر صبر ، ونال تيقن ، ونجى .
في ذات اللحظة طائفة في الغابة والحيرة
" ألا بذكر الله تطمئن القلوب "
تلاحظ الفراشات صبيا تبدو عليه دلالات مظطربة يسمع أصوات غريبة ، يرى خيالات غامضة يتحدث مع أشخاص غير مرئين ، طرطقة الأيدي وقضم الأظافر
تحية راقية لأجلك يا صبي ، مرحبا أنا أسمع فوضى داخلي أناس يتحدثون ولا يصمتون ، أأستطيع قطع أذني كي يتوقف الضجيج
أعاني من الارتباك ، حار طبيب الغابة في إيجاد دواء لي .
تطلب الماسة من رائدة الثلة الثانية أن يتناول شرابا محلى وانتظار الانعكاس يتمتم الصبي بكلمات غير مفهومة
مهلا يا فراشة
إنها الحمد ، التسبيح ، التشهد ، الحوقلة و التكبير
بدأ يتبدد شحوب الوجه ، بدأ يزهر من جديد
إنه ذكر اللطيف بلسم الجراح والشفاء والدواء
لقد نجحتن !.
هنا الثلة الثالثة في أعلى جبلوالاستفسار " وقولوا للناس حسنا "
حيث تقيم أرحام ساد التناحر بينهم والسبب الفضاضة والإيذاء
تمطر سماء الغابة بودقا يحمل كلمات طيبة وأحاديث لطيفة وترسم في الثغور إبتسامة
والتفاف بالأذرع
إنها الحياة من جديد
إنها المودة بين الأهالي والسلام الدائم 
كلمة طيبة ، جبر خاطر تحذف النفرة حذفا .
نُقلت الثلة الرابعة إلى جزيرة بحرية ليجدو أن مالكها بحار إفريقي يؤمن بديانة الفودو ومسلمتها ، البحر قوة روحانية
والإشكالية " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "
يتناقش البحار مع الفراشات ويقول
طول الإبحار أُبصر البحر والسماء الشمس والقمر وأقول
من أنت ؟
من صنع هذا ؟
هل هو البحر
هل هو الماء
من الذي يأمر البحر بالهدوء ، الإعصار والتموج
يجيب البحر "
رب العالمين خلقني
أنا لا أتعفن رغم الكم الهائل للأسماك التي تموت
ألم تسأل لماذا !
إنها قدرته وحده لا معاون له
المحار ، المرجان التي تقوم بتنقية وترشيح المياه
شق الى نصفين كي يعبر سيدنا موسى ومن تبعه وينجيه
ويغرق فرعون وأتباعه
وهاهنا عذب وهاهنا مالح لا يلتقيان .
وسجد باكيا للحي القيوم
وسجد مسبحا لقدرة الجبار .
نحن هنا نعتصم برسالتا " ومن يتوكل على الله فهو حسبه "
بُعثنا إلى مبنى وما كان غريب أن أرضه مخروطة الشكل تفرز مواد رمادية ملتهبة
كان سكانها مذعورين
كأنهم يخافون من أمر سيأتي لا مناص
مالك المبنى يقول: "لم يكن لنا خيار في اختيار مكان النشأة
ويا للحظ التعيس تحتنا بركان في أي آن نتدمر جميعا "
سيدي ، هنا رسالة بُعثت لكم نريد معرفة المعنى ربما أنت الطريق له
قرأ الحكيم الإشعار
أضاء وجهه الأمل
جمع أناس المبنى وقال: "إن ربنا هو الوكيل والقدير على كل شيئ والمحيط بكل علم والمعين في أوقات الشدة "
زرع الحكيم في ديار المبنى الهدوء .
بسم رب البدايات نبدأ
سارع الحدادون في بناء جداريات من الحديد الصلب . وغدَا المبنى مصان
تشققت القشرة وازداد الضعط
كل من كان هناك يغطي وجهه ويقعد كالمرتجف ونحن نرى من فتحة المبنى الخارجية
تراكمتِ الحمم وانفجرت
دقيقة خوف مرت كالعقد، لم يتأثر أحد منهم
خمل البركان
صفقت الشمس وهللت السماء 
نهاية الكابوس .
توكل المؤمن ، ووجد الحل الرباني
ظن بالله خيرا ، كتبه الله قدرا
رحمة ربي وسعت كل شيئ .
رسالة آخرى "
إنه اليوم العاشر على التوالي و هنّتائهات متعبات "
روت الصحراء
اخضرّت الغابة
ملُئ الجبل
هدأ البحر
وخمُد البركان
نهاية المهمة .
رسالات الإكسير كانت تزيد فينا تقوى وزهدا
علقت في أكتافنا
بعد المهمة
ناصرات الحق ، عازمات نحو الطريق المستقيم
أعِدنا إلى الأصل ، بعد تضاعف إيماننا ويقيننا .


بقلم الكاتبة الأستاذة قطياني هديل

طمأنينة الرجوع - خلفة هبة الله



طمأنينة الرجوع   خلفة هبة الله

"إنّا لله وإنّا إليه راجعون".. جملة الحياة لا الموت فقط أكثر من جملة مرتبطة بالمصائب
اعتدنا أن نسمع "إنّا لله وإنّا إليه راجعون" عند الفقد والمصائب، حتى التصقت هذه العبارة في أذهاننا بالحزن فقط. لكن في حقيقتها، هي جملة حياة قبل أن تكون جملة موت؛ جملة تبعث الطمأنينة وتسكب السكينة في القلب، لأنها تذكّرنا بالانتماء، وبأننا لسنا ضائعين وسط فوضى هذا العالم.

انتماء إلى الله لا يضيع

حين نقول "إنّا لله"فنحن نعلن أننا ملك لله، وأننا ننتمي إلى من بيده أمر كل شيء. نحن له بأرواحنا، بأحلامنا، بسعينا المتعثر والمثمر، بصلابتنا وضعفنا، بضحكاتنا ودموعنا. وكل ما لنا محفوظ عنده، لا يضيع في متاهات الزمن ولا في تقلبات الحياة.

العودة إلى الأصل

أما "إنّا إليه راجعون"فهي وعد أكيد بأن الرحلة ليست عبثًا ولا نهايتها فراغًا. بل هي عودة إلى الأصل، إلى الحضن الأرحب، إلى المبتدأ والمنتهى. هناك حيث تزول الأوجاع ويصفو كل شيء، وحيث يطمئن القلب أن لا شيء من تعبه ذهب هباءً.

فلسفة وجود كاملة

هذه العبارة تختصر فلسفة الوجود كله: البداية من الله، والمسير إليه، والنهاية عنده. حين ندرك هذا المعنى، نصبح أكثر خفة في مواجهة صعوبات الحياة، لأننا نعلم أن كل ما نمرّ به من خسران ورجاء، من دموع وأمانٍ بين يدي من لا يظلم ولا يترك أحدًا.

نور وسط الفوضى

إنها ليست مجرد كلمات، بل مرسى للقلوب؛ و نور للحائرين . بها نطمئن أن الغربة مؤقتة، وأن الطريق مهما طال أو التوى، سينتهي عند من إليه الرجوع، ومن عنده تبدأ كل البدايات الحقيقية.