قلعة الأشاوس -الكاتبة قطياني هديل

قلعة الأشاوس 1
قلعة الأشاوس     -الكاتبة  قطياني هديل



أنا المنطفئ وداخلي نار متأججة، أنا الهادئ وداخلي بركان،  أنا البريء وداخلي اتهام، أنا الصامد وداخلي حطام، أنا المحطَّم في صورة تحفة.
تهتُ في صحراء أظن أني لن أجد ذاتي ما حييت، حتى بدت لي قلعة تتربع على مرتفع من الأرض، تبرزها أشعة الشمس فما تزيدها إلا مهابةً وإباءً.
إنها قلعة… ويا لها من قلعة!
ألفة بلونٍ زاهٍ ترسل في قلب القارئ أطياف سعادة.
كنت أرى أسرابًا من الدعاسيق تُصفِّق بأجنحتها وتسير في تموّج بديع صوب القمّة.
داعب المنظر روحي، فأردت معرفة ما تحويه.
دخلت…
كل سكانها من الطبقة النبيلة، كانت وجوههم منيرة، وجوه يخيل لك أنها لم تبكِ يومًا.
إنها مخلوقات دائمة السرور، يحوم فوقها نجوم متلألئة.
كل فرد هنا منظم، يعمل وفق منهاج صارم، منظر يجعلك تسأل نفسك دائمًا: كيف لهم بهذا الصفاء؟
هنا الكثير من الفراشات بألوان فاتنة، يلبسن الإستبرق والتيجان الفضية.
“أيا سُكَر، أأستطيع أن أسألك؟”
كانت مثالًا للتواضع، كيف ردّت عليَّ بكل هدوء:
“كيف أخدمك يا بطلة؟”
بطلة؟! شخص تائه مثلي، حزين ومرتبك، يُنادى بطلة؟
ما سبب البشرى على وجوهكم؟
نحن نعانق إكسيرًا منذ أن قبلنا الحياة، تعلقنا به تعلق الأم بابنها.
أأستطيع أنا أيضًا؟
نعم، لكن بشرط أن تمرَّ على الفحص، فإن كانت لك بذرة ألفة فستُقبَل، وإلا فستُرفَض.
ريد أن أكون مثلهن… لا أدري، لكن أريد.
إنه فحص إيجابي.
أنا مقبول.
بدأنا في الاجتهاد، وكان عملًا شاقًا، والعجيب أنهن مستمتعات… ما زلن مبتسمات.
إنه الفجر…
الكل يهرول نحو برجٍ ذي زرابي حمراء، ذي قواعد وأعمدة بيضاء كأنه معسكر.
رأيت الفراشات يتعاضدن، يشربن هذا الإكسير، ويحلقن فوقه والفرحة تبتسم.
رأيت معنى الوجود… معنى الحياة.
وأنا الذي كنت أظن أنه لا نعيم غير نعيم الدنيا، تذوقت طعم السعادة في هذا السبت.
فيا سبتَ الجهاد… إلى اللقاء.
إنها لحظة الرجوع، علَّقت في كتفي شارة ناصرة الحق، ورجعت… رجوعًا محمَّلًا بتوبة نصوح، رجوعًا محمَّلًا بالثبات وسط أعاصير هذا الباطل.
بعد قلعة الألفة:
ما عدتُ أبكي،
ما عدتُ أخاف، فاللطيف يسمع ويرى وهو دائمًا معي، ما عدتُ أشتكي، فاللطيف قريب مجيب.
جعل الله لكِ البركة والقدرة والفردوس أجمعين .
 
قلعة الأشاوس2 :

مهمة القلعة
كان العصر كعادته ، أجواء هادئة تعبق برائحة التنافس ، اجتمعت الفراشات لتشكل سربا ، بدأت إشراقة القمر مع تراتيل وأرواح تلاقت على وئام. الأضواء الخافتة للقعلة تبعث دفئا والمكان يفيض بأناقة البساطة . تنظم الماسات الحلقات لاكتشاف الإكسير واستنشاق المنافع ، تجمد الزمن وانطفأ الصوت ولم تبقَ سوى نبضاتنا تزداد سرعة ، انتقلت الأعين إلى تفاصيل البرقيات القديمة الموجودة وسط الإكسير .
أغرقتنا موجة الدهشة بهدوء ثم جرفتنا بقوة نحو التساؤلات حيث كل شيء يبدو أعمق وأكثر عموضا مما نتخيل .
كل فرد منا حمل البرقية ومر على حقن بسائل الثبات ، في الوريد العميق .
كانت أصوات داخلية بصوت السكرة السمراء
" واجب عليكن أن تبحثن عن المعنى "
على غير المتوقع تحولت القلعة إلى مواضع مختلفة معدومة الحياة ، إلا بلدات صغيرة تتجرع أقساطا من المآزق
شرعت الفراشات بالتكليف
طائفة للصحراء قاحلة والبرقية المشفرة
" واصبر وما صبرك إلا بالله "
حيث تتبع حياة رجل مسكين حكم عليه بالقصاص ظلما ، و كان كل من في تلك البلدة ضده بدءا من القيادي
تتحدث رائدة الثلة الأولى مع المظلوم "
مرحبا يا سيدي سلام محترم وبعد
لم نعي معنى هذه الصحيفة المشفرة وما وجدنا من قوم إلا أنتم
ما الصبر ؟
حكمت محكمة البلدة علي بالقصاص
هجرني كل أهلي
وها أنا أقف مكبل الأيدي
في حيزمحدود مع مجرم مدان
ها أنا أستغفر ربي وأذكره ولا أحزن ولا أشكي
وربي وربكم سينجيني ".
وقف كل أفراد البلدة في البيداء
منتظرين الإعدام
وكالعادة يطلبون من الذي سيعدموه
أمنيته الأخيرة !
حساء ٌساخنٌ
علت ضحكاتنا
أفي هذا الوقت يا عماه !
إنه يبتسم
لقد اكتفى ، أم له يقين بأن لن يطبق الحكم
أم أنها خدعة
نادى نائب القيادي
مات ، وألغي الحكم
حادثة الحجاج مع الغلام تتكرر صبر ، ونال تيقن ، ونجى .
في ذات اللحظة طائفة في الغابة والحيرة
" ألا بذكر الله تطمئن القلوب "
تلاحظ الفراشات صبيا تبدو عليه دلالات مظطربة يسمع أصوات غريبة ، يرى خيالات غامضة يتحدث مع أشخاص غير مرئين ، طرطقة الأيدي وقضم الأظافر
تحية راقية لأجلك يا صبي ، مرحبا أنا أسمع فوضى داخلي أناس يتحدثون ولا يصمتون ، أأستطيع قطع أذني كي يتوقف الضجيج
أعاني من الارتباك ، حار طبيب الغابة في إيجاد دواء لي .
تطلب الماسة من رائدة الثلة الثانية أن يتناول شرابا محلى وانتظار الانعكاس يتمتم الصبي بكلمات غير مفهومة
مهلا يا فراشة
إنها الحمد ، التسبيح ، التشهد ، الحوقلة و التكبير
بدأ يتبدد شحوب الوجه ، بدأ يزهر من جديد
إنه ذكر اللطيف بلسم الجراح والشفاء والدواء
لقد نجحتن !.
هنا الثلة الثالثة في أعلى جبلوالاستفسار " وقولوا للناس حسنا "
حيث تقيم أرحام ساد التناحر بينهم والسبب الفضاضة والإيذاء
تمطر سماء الغابة بودقا يحمل كلمات طيبة وأحاديث لطيفة وترسم في الثغور إبتسامة
والتفاف بالأذرع
إنها الحياة من جديد
إنها المودة بين الأهالي والسلام الدائم 
كلمة طيبة ، جبر خاطر تحذف النفرة حذفا .
نُقلت الثلة الرابعة إلى جزيرة بحرية ليجدو أن مالكها بحار إفريقي يؤمن بديانة الفودو ومسلمتها ، البحر قوة روحانية
والإشكالية " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "
يتناقش البحار مع الفراشات ويقول
طول الإبحار أُبصر البحر والسماء الشمس والقمر وأقول
من أنت ؟
من صنع هذا ؟
هل هو البحر
هل هو الماء
من الذي يأمر البحر بالهدوء ، الإعصار والتموج
يجيب البحر "
رب العالمين خلقني
أنا لا أتعفن رغم الكم الهائل للأسماك التي تموت
ألم تسأل لماذا !
إنها قدرته وحده لا معاون له
المحار ، المرجان التي تقوم بتنقية وترشيح المياه
شق الى نصفين كي يعبر سيدنا موسى ومن تبعه وينجيه
ويغرق فرعون وأتباعه
وهاهنا عذب وهاهنا مالح لا يلتقيان .
وسجد باكيا للحي القيوم
وسجد مسبحا لقدرة الجبار .
نحن هنا نعتصم برسالتا " ومن يتوكل على الله فهو حسبه "
بُعثنا إلى مبنى وما كان غريب أن أرضه مخروطة الشكل تفرز مواد رمادية ملتهبة
كان سكانها مذعورين
كأنهم يخافون من أمر سيأتي لا مناص
مالك المبنى يقول: "لم يكن لنا خيار في اختيار مكان النشأة
ويا للحظ التعيس تحتنا بركان في أي آن نتدمر جميعا "
سيدي ، هنا رسالة بُعثت لكم نريد معرفة المعنى ربما أنت الطريق له
قرأ الحكيم الإشعار
أضاء وجهه الأمل
جمع أناس المبنى وقال: "إن ربنا هو الوكيل والقدير على كل شيئ والمحيط بكل علم والمعين في أوقات الشدة "
زرع الحكيم في ديار المبنى الهدوء .
بسم رب البدايات نبدأ
سارع الحدادون في بناء جداريات من الحديد الصلب . وغدَا المبنى مصان
تشققت القشرة وازداد الضعط
كل من كان هناك يغطي وجهه ويقعد كالمرتجف ونحن نرى من فتحة المبنى الخارجية
تراكمتِ الحمم وانفجرت
دقيقة خوف مرت كالعقد، لم يتأثر أحد منهم
خمل البركان
صفقت الشمس وهللت السماء 
نهاية الكابوس .
توكل المؤمن ، ووجد الحل الرباني
ظن بالله خيرا ، كتبه الله قدرا
رحمة ربي وسعت كل شيئ .
رسالة آخرى "
إنه اليوم العاشر على التوالي و هنّتائهات متعبات "
روت الصحراء
اخضرّت الغابة
ملُئ الجبل
هدأ البحر
وخمُد البركان
نهاية المهمة .
رسالات الإكسير كانت تزيد فينا تقوى وزهدا
علقت في أكتافنا
بعد المهمة
ناصرات الحق ، عازمات نحو الطريق المستقيم
أعِدنا إلى الأصل ، بعد تضاعف إيماننا ويقيننا .


بقلم الكاتبة الأستاذة قطياني هديل

التالي
هذه أحدث تدوينة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق