بقلم: عبد الله جمعة المشايخي
خلال رحلة حياتي، أيقنت أن جل القوانين قابلة للاختراق. حتى إن أصحاب السبت خرقوا التشريع الإلهي بحيلة لتجاوز التحريم، الطالب يغشّ في الاختبار مستغلاً دهاءه دون أن يكشفه المعلم، رغم إدراكه بأن هذا الفعل قد يحرمه النجاح. لماذا يسعى الإنسان لخرق القانون رغم أنه وُجد لجعل حياته أكثر تنظيماً ؟ وهل استغلال الثغرات القانونية حق إنساني؟ وما تبعات مطاوعة القانون وفق المنظور البراغماتي؟
إذا ما أمعنا النظر في قصة أصحاب السبت، ستجد أنهم لم يخترقوا حرفية النص، بل روحه. أما عن الطالب الغشاش، فهو لا يخترق القانون بشكل مباشر، بل يلعب على حدوده، وقد يبرر فعله مستخدماً العبارة، "ما دمت لم أضبط فأنا لست مذنباً". كلتا الحالتين في المثالين السابقين لم تخترق القانون، بل تحايلتا عليه، وهذا هو جوهر الأمر. «المشكلة ليست في حرفية النص، بل في نية مستخدمه». فكم من تشريع سماوي حوله المجتمع إلى عبء يُثقل كاهل أفراده، وكم من قانون وضعي استغله القوي لأكل الضعيف.
يقول فرويد: «الممنوع يُثير الرغبة لا يُخمِدها». هنا نستطيع تفسير تجاوز أصحاب السبت للأمرالإلهي، حيث إن الرغبة كانت الصيد، والاستجابة كانت الحيلة، أما عن الطالب الغشاش، فهو يرغب في النجاح بلا جهد، وحين يُمنع من الطريق السهل، تتحايل رغبته على المنع فيولد الغش كاستجابة نفسية. رغبات الإنسان هي الركن الأساسي في تجاوز الخطوط الحمراء، وهذا ما يفسر تجاوزات فئة من الناس على القانون والتحايل عليه، مثل استغلال منفعة الباحثين عن عمل وذوي الإعاقة، فكم من شخص لم يكن يرغب في العمل من الأساس ملأ جيبه من هذه المنفعة، وكم من شخص رزقه الله الصحة جعل من نفسه معاقا ليقبض دراهم معدودات.
هذه "الاستحقاقية" تحول الخرق إلى ما يُشبه الإنصاف الذاتي، وهذا ما يوحي للمتجاوز أن ما يفعله هو حق إنساني لا يمكن المساس به. من المؤكد أن المتجاوز وقع هنا في مغالطة الاحتكام إلى الذات، كونه يعتقد أن ما يناسبه، أو ما يراه صواباً من وجهة نظره الخاصة، يجب أن يكون صواباً موضوعياً أو عاماً.
البراغماتي يرى أن التحايل يعطيه شرعية الفعل من أجل مصلحته الشخصية، وإن تجاوز الشرع الإلهي، لذلك نراه يتعامل بالربا بغطاء إسلامي، حيث يتجاوز الأمر بدهاء متعمدا كسر حرمة الأمر دون خرق ظاهره. هذه الشخصية نراها تستغل نظام نسبة توطين الوظائف لتخترق كما هائلا من القوانين التي لا تتحملها الأسفار، ويطرد الموظفين مستغلّ قانون العمل الذي يعطي المؤسسة حقا في ذلك حين لا يتوافق أداء الموظف مع رؤية الشركة، وهو لا يطبق القانون لذلك، بل ليوظف شخصا جديداً براتب أقل.
التحايل على القانون ليس ذكاء، بل إعادة صياغة للجريمة على هيئة امتثال، وهذا ما يتسبب بضررعلى المستوى الفردي كعقوبة آنية أو متأخرة، ويؤثر على المجموعات كإرهاق الدولة مادياً عبر استغلال المنفعة، وزيادة نسبة البطالة عبر طرد الموظفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق