سلمى علي أبو فلاحة
كاتبة من الأردن
أبحرتُ في محيط الأبجدية، أفتّش في زواياها عني، لعلّي أجد نفسي على متن إحدى بواخر الحبّ، تلك التي تحمل في جوفها قلوبًا هائمة بأرواحٍ ربما لم تختبر يومًا مثل هذا الشعور.
أيُّ إحساسٍ هذا حين تشتعل في داخلك لوعة لقاء شخصٍ مرَّ بممرات قلبك عابرًا، ثمّ دون وعيٍ أو استئذان، ولج الجناح الملكي في أعماقك، واستقرّ على العرش؟ لعلّه حينها كان مجرد ظلّ، لكنه لم يعد كذلك... أبدًا.
💜💜💜
وللصدق أقول: لم يستهوِني حين رأيتُه أول مرة. كان غليظَ اللفظ، حادَّ الملامح، وتحت جفنيه سيفان متقابلان، يتوسّطهما عقدٌ فاتنٌ كأنّه وُلد من رحم الغموض.
ربما كان ذلك بسبب المهام التي لا تنتهي من حوله، فلا أحمّله ذنبًا، حاشاه. وإنّ في قلبي خشيةً من تجاوز حدّي مع سيدِ هذا العرش، فمصيري حينها قد يكون الجنون، ويُلقى بي في سجن الغرام مدى الحياة.
💜💜💜
لحظة...! وهل هناك أجمل من أن أحمله داخلي كسرٍّ لا يشيخ، أن تُكبَّل حواسي فلا ترى سواه، فلا يسمع قلبي غير صدى أنفاسه؟
وذات مساء، جلستُ إلى مكتبي أدوّن شتاتي، فأطلّ بصري من نافذة غرفتي أتأمّل غروب الشمس أمامي. أغمضتُ عينيّ، وأسلمتُ روحي، فحلّقت معه عبر خيالٍ طالما تمنّيتُ لو أنّه يصبح يومًا حقيقة.
💜💜💜
كنّا هناك، سويًّا، نتحصّن في ظلّ شجرة سنديان إسبانيّة، تتهادى حولنا زقزقة العصافير، وتتماوج أنغامها مع خرير ماء البحيرة، ونسيمٌ عليل يراقص شعري الأجعد في حنوّ.
أما هو، فإلى جانبي، تغمره سكينة الرضا، يرتسم على وجهه المضيء ابتسامٌ قادرٌ على زلزلة قلبي، وإغراقه في فرحٍ طفولي.
💜💜💜
عيناه؟ كانتا تبعثان نورًا لا يُرى، إشعاعَ سعادةٍ لا يعرف الزيف، يسري في شراييني كأنه خلاص.
وآهٍ من سيفيهما المعلّقين... تعجز الحروف عن وصفهما، فمهما تغيّر الزمان، سأبقى عاشقة لهما.
💜💜💜
يقطع اختلاسي لنظراته الأخّاذة، حين يشير بيده نحو الشمس قائلًا: «أنظري، ما أجمل الغروب هناك!» فأنزاح ببصري مرغمة، إذ لا تودّ عيناي مفارقة وجهه الملائكي.
فتنسكب أشعة الشمس على شعري الأشقر، كأنها تُبارك لوني بلون الضوء. وحين لمح ذلك، نظر متحيّرًا إلى العشب من حولنا، ركض لبضع خطوات، ثم عاد بوردة أوركيد اقتطفها، غرسها بين خصلات شعري، وقال ضاحكًا: «الآن اكتملت لوحتي فائقة الجمال».
💜💜💜
أمسكتُ بيده، وتعالت ضحكاتنا، حتى خُيِّل إليّ أن العصافير والفراشات تنظر إلينا وقد امتلأت حبًّا ورقّة.
فتحتُ عينيّ، والغِبطة تختبئ في جوف قلبي ككنزٍ ثمين، التفتُّ إلى زهرات الأوركيد بجانب سريري، وقلت لها همسًا: آهٍ، لو أكون له… آهٍ، لو أنّه… لي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق