قهوة المترجمين وائل السيد

 

قهوة المترجمين   وائل السيد

هل جربت أن تدخل متجرا للعطور، ثم تبدأ في شم قارورة بعد الأخرى، فيما يسمونه "scent sampling" أو "perfume sampling".

في البداية الروائح كلها مذهلة وجميلة ومتباينة، ثم سرعان ما تختلط الحدود، فلا تستطيع أن تفرّق بين مسك وعنبر، ولا بين ورد وياسمين. هنالك يمدك البائع بحبات coffee beans، فتقربها من أنفك، فيعود الصفاء، ويُشحذ التمييز، كأنك ضغطت زرا خفيا لـ reset mode.
وكذلك حال المترجم؛ إذا طال المقام بين الصفحات، وكثر المكوث بين النصوص والعبارات، أظلم بصره النقدي، وضعفت حاسة المراجعة الذاتية (self-revision)، فلا يرى عيبا وهو حاضر، ولا يلمح خللا وهو ظاهر.

هنا لا بد من حبات قهوة تنعش الذهن، وتصفّي الفكر، يجدها في:

▪️ استراحة قصيرة (short break)،
▪️ جولة خفيفة في الهواء (a quick walk)،
▪️ ركعتين تنير القلب (a mindful prayer break)،
▪️ تغيير المكان (change of scene)،
▪️ مكالمة مقتضبة منزّهة عن اللغو (a no-frills phone call).

ثم عد إلى نصك بعين أخرى؛ لا بعين المترجم (translator’s eye)، بل بعين المراجع (reviewer’s eye). عندها تنكشف العيوب، وتظهر الزلات، فتصلح وتجوّد، وتحسّن وتزيد، حتى يخرج النص أبهى صورة، وأصفى لفظا، وأرقى معنى؛ كأن ناقدا بصيرا تولى سبكه، أو محررا خبيرا أعاد صياغته.

وهكذا تختصر المهمة في ثلاث كلمات:
ترجم – افصل – راجع
(Translate – Pause – Revise).

من عمل بها أدرك الحكمة التي قالها المثل الإنجليزي:
“Take a step back to see the bigger picture.”

إن القلم يكلّ كما تكلّ الحواس، ولا دواء له إلا وقفة لالتقاط الأنفاس؛ فكما تنعش القهوة حاسة الشم، تحفز الاستراحة العقل والفكر والقلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق