الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي يفعلون 5 أمور حين يغضبون – ولا يتصرفون بعنف أبدًا

 

الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي يفعلون 5 أمور حين يغضبون – ولا يتصرفون بعنف أبدًا


الغضب شعور إنساني طبيعي، لكنه غالبًا ما يُساء فهمه أو يُعامَل كمشكلة يجب التخلص منها بأي وسيلة. نشأنا في بيئات تعلمنا أن الغضب صفة مذمومة، وأن التعبير عنه أمر غير لائق، أو علامة على الضعف والانفعال الزائد. لكن الحقيقة أن الغضب، في جوهره، ليس خللًا في الشخصية ولا مرضًا يجب قمعه، بل هو إشارة داخلية صادقة إلى أن أمرًا ما في محيطك قد انتهك حدودك النفسية أو العاطفية، أو مسّ كرامتك أو قيمك أو حاجاتك الجوهرية.

الذكاء العاطفي لا يعني غياب المشاعر، بل القدرة على إدارتها بحكمة. ومن أبرز تجليات الذكاء العاطفي أن يتمكن الإنسان من التعامل مع الغضب بشكل ناضج وفعّال، بحيث لا يتحول إلى عنف، ولا يُدفن في الأعماق ليتحول لاحقًا إلى قلق مزمن أو مرارة مكبوتة. إليك خمس ممارسات أساسية يعتمدها الأشخاص الأذكياء عاطفيًا عندما يشعرون بالغضب، وكل منها تمثل خطوة نحو فهم الذات والتصرف بوعي.

1. تسمية الغضب بدلًا من كبته أو إنكاره

يميل الكثير من الناس إلى كبت مشاعر الغضب عند مواجهتها، خاصة عندما يتعارض التعبير عنها مع قواعد المجتمع أو متطلبات الحفاظ على العلاقات. فقد يشعر أحدنا بالغضب من تصرّف غير لائق من صديق أو زميل أو شريك، لكنه يبتلع انفعاله تحت شعار "لا أريد أن أفتعل مشكلة". ومع الوقت، يتراكم هذا الكبت ليخلق ضغطًا داخليًا ينعكس على الصحة النفسية، ويظهر في شكل قلق، توتر دائم، أو حتى أعراض جسدية.

أما الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي، فإنهم لا يسمحون لهذا النمط بالتكرار. فهم يبدؤون أولًا بتسمية الشعور بوضوح لأن مجرد الاعتراف بوجود الغضب يُحدث فرقًا كبيرًا في التفاعل مع الذات. في علم النفس يُعرف هذا بـ "وسم العاطفة"، وهو أن تقول لنفسك أو لمن تثق به: "أنا غاضب"، دون أن تُنكر الشعور أو تغلّفه بمشاعر بديلة كالبرود أو التجاهل. هذا الاعتراف يساعد على تهدئة النشاط المفرط في الدماغ العاطفي، ويمهّد الطريق لفهم سبب الغضب والتصرف حياله بروية بدلًا من الانفعال الأعمى.

2. التعبير عن الغضب بالكلام لا بالأفعال

كثيرون يعتقدون أن التعبير عن الغضب يعني الانفجار أو التفجّر: الصراخ، الإهانات، أو حتى التخريب الجسدي. لكن هذه ليست سوى صور من الغضب غير المنضبط. الأشخاص الأذكياء عاطفيًا يدركون أن الغضب لا ينبغي أن يتحول إلى أداة أذى، بل إلى وسيلة تواصل ناضجة. فهم لا يصرخون ولا يلقون اللوم جزافًا، بل يختارون أن يعبّروا عن مشاعرهم من خلال الحوار الواعي والتواصل الصادق.

في اللحظة التي يشعر فيها الإنسان بالاستفزاز أو الخذلان، يكون من السهل الوقوع في فخ السلوكيات المؤذية، ولكن الذكاء العاطفي يتمثل في أن تنتظر قليلًا، وتعيد ترتيب أفكارك، ثم تبدأ الحديث مع الطرف الآخر بصيغة بنّاءة. من الممكن أن تبدأ المحادثة بجملة مثل: "أريد أن أتحدث معك عن شيء أزعجني"، أو "أشعر بصعوبة في قول هذا، لكني شعرت بالغضب عندما حدث كذا". بهذه الطريقة، تتحول مشاعر الغضب من طاقة هدامة إلى جسر للتفاهم، وتزيد فرص إصلاح العلاقة بدلًا من تدميرها.

3. تحمل المسؤولية الشخصية تجاه الغضب

غالبًا ما يُساء استخدام الغضب كوسيلة لتبرير اللوم، فنحمّل الآخرين كامل المسؤولية وننزع عن أنفسنا أي دور فيما حدث. لكن الحقيقة أن هذا السلوك يزيد من شعور العجز، ويُبقي الشخص رهينة لقرارات ومواقف الآخرين. أما الأذكياء عاطفيًا، فهم يسلكون مسارًا مختلفًا، قائمًا على التفكر في ما يقع ضمن نطاق سيطرتهم، وما لا يمكنهم التحكم به.

بدلًا من الانغماس في الغضب والتفكير في الردود الانتقامية أو انتظار الاعتذارات، يسألون أنفسهم: "ما الذي يمكنني فعله الآن؟ ما الذي يقع ضمن قدرتي؟" هذه الأسئلة تعيد لهم الشعور بالتحكم والسيطرة، وتفتح المجال أمام اتخاذ قرارات عملية، مثل الابتعاد عن الموقف قليلًا، أخذ نفس عميق، التحدث مع صديق مقرب، أو الذهاب في نزهة قصيرة لتصفية الذهن. عبر هذه الخطوات، يتم تفكيك الغضب إلى أفعال صغيرة يمكن إدارتها، بدلًا من أن يبقى عاصفة داخلية غير مفهومة.

4. توجيه الغضب نحو هدف إيجابي

الغضب ليس فقط رد فعل شخصي، بل قد يكون نتيجة الإحساس بالظلم أو الانتهاك في المجتمع من حولك. وهذا النوع من الغضب، إن لم يُستثمر، يمكن أن يتحول إلى سلبية أو استياء دائم. الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي لا يكتفون بالشعور بالغضب، بل يحوّلونه إلى طاقة إيجابية تخدم قضية أو هدفًا ساميًا. إنهم يدركون أن الغضب يمكن أن يكون وقودًا قويًا للتغيير، ويختارون أن يوظفوه في العمل من أجل الصالح العام.

قد يدفعهم غضبهم من التفاوت الاجتماعي أو الظلم البيئي أو الفساد الإداري إلى الانخراط في حملات توعية أو أعمال تطوعية أو حتى إطلاق مشاريع تسعى إلى حل المشكلة من جذورها. وهذا لا يقتصر فقط على من يملكون وقتًا طويلًا أو موارد كبيرة، بل يمكن أن يبدأ بخطوات بسيطة كالتبرع لمنظمة تدعم قضية يؤمنون بها، أو مشاركة معلومات هادفة على منصات التواصل، أو حضور لقاءات مجتمعية. وبهذا، يتحول الغضب من شعور داخلي ثقيل إلى محرك خارجي فعّال يصنع الأثر ويعزز من مشاعر الرضا والانتماء.

5. التعامل مع الغضب كمعلم لا كعدو

ربما أكثر ما يميز الأذكياء عاطفيًا أنهم لا ينظرون إلى الغضب كعائق يجب التخلص منه، بل كإشارة يجب فهمها. إنهم لا يُسرعون إلى إطلاق الأحكام على أنفسهم عندما يغضبون، بل يسألون: "ما الذي يريد هذا الشعور أن يخبرني به؟ ما الرسالة الكامنة خلف هذا الانفعال؟" وقد يكتشفون أن الغضب يرتبط بذكريات قديمة، بجروح لم تُعالج، أو بقيم شخصية تم تجاهلها.

من خلال التأمل والسؤال، يمكن أن يكتشف الإنسان أن العلاقة التي يغضب فيها باستمرار لم تعد تلبي احتياجاته، أو أن بيئة العمل التي تُشعره بالإهانة المتكررة تستنزف طاقته النفسية. وقد يقوده الغضب إلى قرارات حاسمة، مثل إنهاء علاقة سامة، أو تغيير وظيفة لا تُقدّر جهده، أو حتى البدء في رحلة علاج نفسي. كل ذلك يبدأ من لحظة صدق مع النفس وفهم أن الغضب ليس عدوًا، بل صوتًا داخليًا يستحق الإنصات والفهم.  

 إن الغضب ليس لعنة يجب أن نتخلص منها، ولا دليلاً على الفشل في ضبط النفس كما يظن البعض، بل هو جزء أصيل من تركيبتنا البشرية، يحمل في جوهره رسالة مهمة لا يجب إهمالها. الفرق الجوهري بين من يمتلك الذكاء العاطفي ومن يفتقر إليه لا يكمن في عدد المرات التي يغضب فيها الإنسان، بل في الكيفية التي يتفاعل بها مع هذا الغضب. فالشخص الناضج نفسيًا لا يسمح للغضب أن يتحكم به أو يُخفيه في داخله إلى أن يتحوّل إلى قلق مزمن أو انفعال مدمر، بل يستقبله كما يستقبل أي شعور آخر، يقر بوجوده، ويخضعه للتحليل والتأمل، ثم يختار الطريقة الأجدى للتعامل معه.

في عالم يزداد فيه التوتر وتتسارع فيه وتيرة العلاقات والمواقف، تصبح القدرة على إدارة الغضب فنًا لا بد من تعلّمه وممارسة أدواته. هذا الفن لا يتطلب الكبت أو الانفجار، بل يتطلب الحضور الذهني والتوازن بين الشعور والوعي. إن فهم الغضب، وتفكيكه، والتعبير عنه بلغة واعية ومحترمة، وتحويله إلى فعل إيجابي يغيّر الذات أو يساهم في تغيير الواقع من حولنا، هو ما يجعل الإنسان أقرب إلى نسخته الأفضل.

الغضب، حين يُحاط بالتفهم والرحمة والصدق مع الذات، لا يكون عائقًا أمام السكينة، بل بوابة إليها. وحين نكفّ عن الخجل منه أو من أنفسنا، ونتعامل معه كمرآة تعكس ما يجب تعديله في حياتنا، فإننا بذلك نخطو خطوة نحو النضج النفسي والتوازن الداخلي. وما الذكاء العاطفي في نهاية المطاف، إلا هذا التمرين اليومي على الإصغاء إلى مشاعرنا، والتصرف تجاهها بوعي ومحبة واحترام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق