المشهد إنساني بامتياز، لا يستطيع أحد أن يحيط بأبعاده الحقيقية خارج اعتبارات الحقيقة الإنسانية حين تتجلى الصفات المثلى من رحم المعاناة و استشعار ألم الآخرين و تتدفق المشاعر التي ترسم الاختيار و تحدد المصير في هذه الحياة فتدرك البدايات مآل النهايات و تنسجم معها إلى بلوغ الغاية.
هذا ما توحي به قصة هذا الطبيب المصري الذي أصبح يعرف لاحقا بطبيب الغلابة أي الفقراء و المعوزين و ضعيفي الحال الذين غلبتهم الحياة بمتطلباتها حتى عجزوا عن تحصيل حثوثهم البسيطة منها، فيعجز أحدهم لقلة يده و فقره عن أن ينقذ ابنه المريض الذي يراه يذوي بين يديه فيموت، كان هذا الطبيب المصري شاهدا على حالة كهذه سخّرت فيه روح الإنسانية و وجهت سفينته في هذه الحياة لتكون في خدمة هؤلاء و مساعدتهم و التماهي مع آلامهم و الاندماج في عالمهم الرقيق.
متخرجا من كلية الطب عام 1967 اتجه الطبيب محمد المشالي للعمل في الريف المصري حيث يغلب على الناس رقة الحال و رقة النفوس و قلة اليد و المال. اختار بناء على تلك المعاناة أن يكون في عمله نصيرا لهؤلاء و خادما لهم، كرس وقته و جهده و علمه و ماله في سبيلهم و لم يبخل بشيء و لا ادخر في سبيل غايته شيئا من الجهد أو الاجتهاد.
في كل زمن تنبت شجرة من أشجار النماذج الإنسانية لتلفت إلى حقائق قد تغيب في معرض الحياة و صخبها و قد يغفل الناس عنها حين تتمكن منهم سطوة المال و تتحكم فيهم الأهواء فتطمس على روح الإنسانية فيهم و تذوي في قلوبهم و نفوسهم شعلتها.
هكذا كان هذا الطبيب المصري الذي فضل إيثار الناس و فقراءهم على أثرة نفسه و حاجتها فكان رمزا أحبه هؤلاء و غيرهم و قدروا عمله و تضحياته ليمضي اليوم و قد نمت شجرة الإنسانية التي غرسها يستظل فيها الناس و تذكرهم بالطبائع الحقيقية و تدلهم على حقيقة واحد هي حيقيقو الإنسانية.
رحم الله الطبيب محمد المشالي و تقبل تضحيته و إنسانيته و خدمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق